المليونير المتشرد!

بعدما شاهدت الفيلم الهندي المليونير المتشرد وهو الذي حصد ثماني جوائز أوسكار، كأول فيلم غير أمريكي يفعل ذلك، آمنت تماماً بأن السينما العربية فيها من الضعف وقلة الحيلة ما يجعلنا لا نخجل من الإشارة إلى تراجعها وحتى عدم قدرتها على المنافسة، أو تقديم نفسها بشكل لائق، وما هي إلا في "مكانك راوح"، في مصر والمغرب وحتى باقي الدول العربية الأخرى، العرب يكررون أنفسهم منذ أكثر من 50 عاماً ، بل إنهم يتجاوزون ذلك بنسخ ومسخ أفلام أجنبية سواء هندية أو أمريكية وأوروبية، لتقديمها بشكل مبتذل وصورة فاضحة، لكي يقنعوا المتلقي أن لديهم سينما.. وأي سينما هي تلك.
فيلم المليونير المتشرد يجعلك تتفاعل مع كل لقطة فيه، وخلاله لن تستطيع أن تبعد عينيك عن الشاشة، فهو مثير، ومشبع للفضول، بل يجعلك تلهث لملاحقة أحداثه بين الفرح والحزن والترقب والخوف، هو فيلم حقيقي نزع كل الأفضليات السينمائية، وجعلها عنواناً لمن أراد أن يحقق نتاجاً عالي القيمة.
قصته.. ويا لها من قصة تدور حول شاب مسلم يدعى جمال يعيش في مومباي يتيم ومتشرد، ولا حول له ولا قوة مع شقيقه الأكبر منه بعام واحد فقط، شاء قدره أن يشترك في برنامج من يربح المليون، ولتكون إجابات الأسئلة المطروحة تعبر عن مسيرة حياته الصعبة من خلال المواقف التي مر بها مع شقيقه، وحبيبته، أحداث دراماتيكية.. لكن مثيرة جداً، وأجزم أن السينما العربية لن تصل إلى تجسيدها ولو بعد عقود، الأهم من ذلك أن الفيلم يصور لك الحياة الفقيرة في الهند بطريقة رائعة جداً، ويصور التناقض الذي يعيشه المجتمع بطريقة أروع أيضا، وكيف يصبح المتشرد مليونيراً، رغم أنف المجتمع المخملي الذي يرى في فوزه كارثة.
ما أشد روعة الفيلم، لكن ما يهم أكثر، الموضوعية في أحداثه وفي سياقه وحبكته، هي موضوعية تعبر عن السينما الراقية، التي لا تتجاوز الحقائق الماثلة ولا حتى تمر من جنبها مرور الكرام، لا سيما وأنها صورت بمثالية العنف الهندوسي ضد المسلمين، بمشاهد لم تبتر، ولم تكن بين وبين، بل كانت واضحة ومباشرة، وبما يجعل السينما الهندية متوافقة مع بيئتها ومجتمعها وتعبر عن المعاناة فيهما، فيلم لم يكن بمعزل أبدا عن ناسه وثقافاته، وعن الواقع الصعب الذي يعيشه، لذا جاء صادقاً فاعلاً معبراً.
أعود إلى ما بدأت به، لأتساءل من جديد: متى يكون للعرب سينما مماثلة؟ قد تكون الإجابة أننا لا نملك الثقافة التعاملية القادرة على المنافسة، ولن أخجل هنا من القول إننا لن نصل إلى ما وصلوا إليه، ويكفي أن بعضنا لا يسمح حتى بدور للسينما على أرضه، بل يجتزئ المسارح ويحاربها وأي مصيبة للثقافة مثل ذلك!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي