الأزمة الاقتصادية والبطالة في القطاع الخاص
في كل يوم نسمع من يقول إن الأزمة الاقتصادية تزداد شدة وأنها ستكون أطول مما قدر لها في بدايتها, فالأسواق المالية في العالم تنتابها مخاوف قوية من أنه ليس هناك قطاع صناعي أو خدمي سينجو من الانعكاسات السلبية لهذه الأزمة العالمية. فكل مؤشرات الأسواق المالية في العالم قد وصلت إلى مستويات متدنية لم تسجلها منذ سنين طويلة وهذا بدوره يعكس عمق المخاوف من النتائج المرتقبة من الأزمة. وكلما أعلنت الشركات الكبيرة والصغيرة عن تسجيل خسائر فعلية في حساباتها رافقت إعلانها عن نيتها تسريح أعداد كبيرة من عمالتها وأنها ماضية في تخفيض عمالتها في المستقبل حتى يمكنها من العودة إلى الربحية. فالمؤسسات الدولية تتوقع أن يفقد ما يقارب 55 مليون إنسان وظائفهم في عام 2009م بسبب هذه الأزمة الاقتصادية. فالبطالة هي أكثر جوانب الأزمة قلقا للحكومات والمنظمات الاقتصادية لأن ازدياد العاطلين عن العمل هو بدوره ينعكس سلبا على الاقتصاد وهذا غير الجوانب الاجتماعية والأمنية التي تتأثر بشكل مباشر بمستويات البطالة المرتفعة.
وسيتأثر اقتصاد المملكة بشكل أو بآخر بتداعيات الأزمة الاقتصادية ولعل انخفاض أسعار النفط في العالم هو أكثر هذه التداعيات أثرا في النشاط الاقتصادي المحلي وستحتاج المملكة إلى اتخاذ إجراءات متنوعة للتعامل مع هذه الأزمة وتخفيف انعكاساتها السلبية على النشاط الاقتصادي المحلي. ولكن تأتي هذه الأزمة في وقت تكثف المملكة من جهودها لدعم القطاع الخاص وتعزيز دوره وإسهامه في تنمية الاقتصاد الوطني. فاستجابة القطاع الخاص مع المؤشرات السلبية للأزمة ستكون أسرع وأوسع من استجابة القطاع العام, فالتمويل بات ينكمش وتزداد شروطه وهذا سيعني انكماشا في مشاريع واستثمارات القطاع الخاص بل قد يمتد هذا الأثر إلى إعادة هيكلة في هذه الشركات وإلغاء حتى بعض المشاريع المخطط لها أو الاستعداد لظروف ستكون صعبة في المستقبل.
فهناك اليوم قلق وبالأخص عند شريحة الشباب الذين يعملون في القطاع الخاص من أن تتسبب الأزمة في فقدان وظائفهم. فهؤلاء الشباب يتطلعون إلى أن للمؤسسات الاقتصادية الحكومية دور واضح ومؤثر في معالجة هذا الأمر. صحيح أنه كانت هناك رسائل واضحة من قبل بعض المسؤولين أن على شركات القطاع الخاص أن تستفيد من هذه الأزمة وتخفف من أعداد عمالتها الأجنبية لا أن يبتدئوا بالعمالة الوطنية. وعلى الرغم من ازدياد العاملين المواطنين في القطاع الخاص في السنوات الأخيرة إلا أنهم ما زالوا لا يشكلون إلا نسبا بسيطة في مقابل العمالة الأجنبية, وعلى هذه الشركات أن تكثف من جهودها لتدريب هذه الكوادر الوطنية وتطويرها في هذه الفترة لإعطاء الفرصة لهم مستقبلا لتطوير مواقعهم الإدارية في شركاتهم.
فعلى الجهات ذات العلاقة بهذا الشأن أن تولي هذا الأمر اهتمامها قبل أن تتحول فعلا إلى مشكلة كبيرة لأنه ستكون لها عواقب اقتصادية واجتماعية, فكثير من هؤلاء الشباب بادروا بأنفسهم للعمل في القطاع الخاص مع توافر فرص عمل لهم في القطاع الحكومي وهم يعرفون ما يتسم به العمل في هذا القطاع من استقرار وظيفي في مقابل العمل في القطاع الخاص. فمن الضروري إيجاد برامج خاصة لتقديم العون والمساعدة لهم في حال فقدان وظائفهم ولكن قبل ذلك هو العمل على عدم تأثر وظائف هؤلاء العاملين بدواعي التأثر بهذه الأزمة. وعلينا أن نكون حذرين من أن تستغل هذه الأزمة للتراجع في موضوع السعودة وتحميل هذا الأمر على الأزمة الاقتصادية وتبعاتها, فالسعودة هي خيار استراتيجي وهو يعالج أوضاعا قائمة ومتراكمة ولابد من تصحيحها والأزمة الاقتصادية الحالية يجب أن تزيد من وتيرة السعودة لا أن نجعل منها مبررا للتراجع عنها.
ختاما: لابد من التأكيد مرة أخرى أن تطوير القطاع الخاص في المملكة هو من أهم التحديات التي تواجهنا في الوقت الحاضر وأن سعودة هذا القطاع هو بلا شك محور هذا التطوير. فالأزمة الاقتصادية الحالية سيتأثر بها القطاع الخاص وستكون هناك حاجة لتقليص العمالة فيه ولكن ليس على حساب العمالة الوطنية, فهناك الكثير من الخيارات المتاحة أمام هذه الشركات لتحافظ على عمالتها الوطنية وعلى المؤسسات الحكومية وغير الحكومية أن يكون لها دور في هذا المجال.