خبر سيئ للنشر

مع انتشار وسائل التقنية الحديثة خصوصا من خلال شبكة الإنترنت ومن خلال شبكة الجوال، فقد أصبح التواصل بين الناس ليس على مدار الساعة فقط، بل حتى على مدار الدقيقة أو الثانية، فأنت تستطيع الاتصال بمن تشاء في أي وقت تشاء، في أي مكان يكون فيه الطرف الآخر وتتوافر لديه خدمة الجوال أو الإنترنت، وبالتالي تستطيع أن تزوده بما تشاء من أخبار أو رسائل.
ويهتم البعض أن تكون لهم مكانة في المجتمع من خلال حرصهم الشديد على الحصول على المعلومات من أي مصدر كان وإعادة توزيعها على مجموعات بريدية مختلفة أو منتديات متنوعة في الإنترنت رغبة منهم في أن يكونوا مصدراً للمعلومات يرجع إليهم من يبحث عن معلومة أو خبر فيصبح لهم السبق في نشر بعض المعلومات وامتلاك بعض التفاصيل، وما إن تسري إشاعة معينة حتى تجد لديه الخبرة الكافية لتأكيدها أو تكذيبها.
وللأسف فإن البعض وجد في مثل هذا الأمر ضالته، فأصبح يحرص على إرسال رسائل إلكترونية عن أخبار مختلفة لا يعرف مصدرها وغير متأكد من صحتها أو حقيقتها، فهو يرسل ما يصل إليه رغبة منه في أن يحظى بقصب السبق في نشر هذا الخبر - خصوصاً إن كان هذا الخبر سيئاً - يتم من خلاله اتهام جهة معينة بأمر ما أو بتقصير في جانب ما أو بوجود شبهة في أمر ما يخصها، ومما يؤلم حقاً أنك تجد هذه الرسالة تصلك من أكثر من جهة وقد تكون هذه الرسالة باطلة وغير صحيحة ولكنها تنتشر في الأوساط الإلكترونية كانتشار النار في الهشيم، وقليل أولئك الذين يتورعون عن نشر مثل هذه الرسائل قبل أن يتبينوا، إذ إن الغالبية يكون همهم في أن تكون الرسالة مرسلة من قبلهم قبل أي طرف آخر.
وللأسف فإن بعض وسائل الإعلام، وفي مقدمتها الصحافة، لا تسلم من هذا الخطأ الفادح، إذ يتسرع بعض المحررين في نشر بعض الأخبار عن بعض القضايا حرصاً على نيل سبق صحفي، غير أن هذا السبق قد لا يكون حقيقياً بل يكون سبقاً وهمياً، فإما أن يكون الخبر من الأساس غير صحيح أو يكون ملفقاً أو يكون الخبر صحيحاً بشكل عام لكن أضيفت إليه بعض التفاصيل غير الحقيقية ليكون أكثر إثارة ويتبعهم في هذا بعد ذلك بعض الكتاب.
وأحياناً تكون هناك أخبار جيدة ومتميزة ولكنها لا تلقى الاهتمام أو الحرص والعناية في النشر مثل الأخبار السيئة، بل إن الأخبار الطيبة كثيراً ما يشاع عنها أنها غير صحيحة، أما الأخبار السيئة فهي التي تكون أقرب إلى اعتقاد الكثيرين بأنها صحيحة، بل إن البعض يحرص على أن يكون عنوان رسالته سيئاً أو مثيراً ليضمن أن يكون لها قراء كثر.
إن مجتمعنا حافل بالأخبار الطيبة والأخبار السيئة، لكن ديننا الحنيف حثنا على أن الستر على الآخرين وهم أحياء، بل وحتى الأموات أمرنا أن نذكر محاسنهم ونترفع عن ذكر عيوبهم، إن ممارسة هذه السلوكيات من نشر للأخبار السيئة تجرئ ذوي النفوس الضعيفة على أن يقوموا باختلاق الأكاذيب لاتهام الآخرين رغبةً في أذيتهم أو المساس بسمعتهم وكرامتهم، خصوصاً إن لم يجدوا من يردعهم أو يحاسبهم.
إن البعض يعتقد أن نشر الأخبار السيئة هو من باب إنكار المنكر أو التحذير من وقوع الشر، ولكن أعتقد أن بعض الأساليب التي تقدم بها هذه الأخبار بعيدة كل البُعد عن تحقيق مثل هذه الأهداف النبيلة فهو أقرب إلى التشهير ونشر الفضائح منه إلى التحذير وتوعية الناس.
أعتقد أننا في حاجة ماسة إلى أن نعيد النظر فيما نقوم بنشره من أخبار وعلينا التأكد من صحتها ومصدرها وتوثيقها، كما يجب علينا أن ننصح مَن يقوم بإرسال الأخبار إلينا أن يحرص على التيقن من أنها صحيحة، وأن يتأمل فيما يقوم بإرساله قبل أن يرسله، ويجب على الجهات الرسمية أن تضع الضوابط اللازمة لمحاسبة مثل هؤلاء الذين ينشرون الأخبار الكاذبة ليكونوا عبرة لغيرهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي