لا تحرم نفسك من اللؤلؤ
تغدو الحياة رتيبة وتزداد مللا شيئا فشيئا حين نأبى مغادرة منطقة الراحة التي ألفناها، وفي النهاية تستفحل أمامنا المشكلات لتتحول إلى شعور مفزع يهدد في دواخلنا جدوى الحياة، ورغم صعوبة ذلك فالغريب أن لدى الكثيرين منا – إن لم نقل معظمنا – قدرة على تحمل ألم الاستمرار الرتيب أقوى من تحمل القلق الذي يبرز حينما نحاول التغيير، وكأن ما يدفعنا لتجنب الألم يبدو أقوى مما يدفعنا إلى السعي للحصول على اللذة .
ربما لأن لكل نمو تكلفة غالية تقتضي أن تهجر طرقك القديمة في العيش في هذا العالم إلى دروب جديدة، ولا تتوقع أن تكون جميعها ممهدة، فالتغيير من حال إلى حال صعب ولربما اعترته ردود فعل سلبية، حتى الناس من حولك الذين ربما يكونون قد طالبوك يوما أن تتغير قد يصبحون قلقين حين يلاحظون تغيرك، وسيرسلون لك بالتصريح أو التلميح رسالة مفادها: عد إلى ما كنت عليه، كما لك أن تتوقع بعض ردود الأفعال المقاومة في أعماقك أنت أيضا، ذلك أن برمجتها القديمة لم تألف الأوامر الجديدة، أو قد يتمرد عليك جسدك بأن يضعك في حالة من الضغط، أو تشعر بشيء من الإحباط الغامض أو ببعض القلق والاضطراب، لكنك إذا قاومت وأخبرت نفسك بحسم أن ذلك كله جزء من عملية التغيير وليس عائقا حقيقيا يحول دونها فإنك تستطيع المثابرة على السير قدما، والمردود هنا عظيم.
إننا نطلق جميعا في سباق الحياة بالمكونات البيولوجية نفسها، والعدد نفسه من خلايا الدماغ، لكن البعض يعمل على تطويرها، بينما يخمد الآخر من طاقتها، فعندما تواجهنا الحياة بخبراتها وتقلباتها تختلف حصيلتنا باختلاف الأشخاص، فعلماء النفس يشيرون إلى تلك المواقف بعبارة "محرضات نمو" لأنها أشبه بحبات الرمل العالقة في محارة حياتنا، التي تحثنا على الارتقاء على سلم النمو والخروج من المحارة وتشكيل لؤلؤنا الداخلي، فهي مغيرة بطبيعتها لتكويننا لأننا ندخل التجربة بحالة ونخرج منها بحالة مختلفة تماما - إلا أن البعض يهدر فرصة التعلم ويعدها تحديات سلبية ويرفض الخروج من منطقة راحته ليستكشف أبعادا أوسع، ويحرم نفسه بذلك من فرص الارتقاء وامتلاك اللؤلؤ.