"سابك" والأزمة العالمية
في محاضرة في الغرفة التجارية والصناعية في جدة يوم الإثنين الماضي، ألقى المهندس مطلق المريشد نائب رئيس شركة "سابك" للشؤون المالية، محاضرة عن الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على صناعة البتروكيماويات عامة وعلى الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك" خاصة. توقع فيها أن يكون العام الجاري عاما صعبا على صناعة البتروكيماويات في العالم بسبب تراجع الطلب العالمي على المنتجات البتروكيماوية، وانخفاض أسعارها انخفاضا رأسيا حادا. وأفادنا من خلال الرسوم البيانية أن تغيرات أسعار المنتجات البتروكيماوية لا ترتبط كثيرا بتغيرات أسعار النفط، بقدر ارتباطها بالطلب عليها عند كبار المستهلكين في الدول الصناعية الكبرى الذي يرتبط بدوره بتغيرات ناتجها القومي المحلى GDP.
وبين المهندس المريشد أن تدهور الطلب فرض على الشركة اتخاذ خطوات فعلية لمواجهة تداعيات الأزمة العالمية على بعض مشاريعها في الخارج التي ضعف الطلب على منتجاتها. إذ تم إيقاف خطوط إنتاج لها في أوروبا، وجرى تأخير تشغيل بعض المصانع أو تقليص إنتاجها حتى تتضح الرؤية حول الأزمة وتداعياتها، وهو إجراء معقول ومتوقع. وأضاف أن الشركة قامت بدمج بعض مكاتبها في الخارج وخفض أعداد العمالة. غير أنه أكد أن الأزمة لم يكن لها تأثير في خطط "سابك" وأعمالها في الصين. أما محليا فهناك مصانع جديدة ستبدأ الإنتاج خلال العام الجاري كمشروعي "ينساب" و"شرق"، لأن مصانع البتروكيماويات تكون أعلى تكلفة في حال توقفها، بينما توقع أن تبدأ شركة كيان إنتاجها في عام 2010م. وأن الشركة ستركز على تنمية مبيعاتها في الأسواق المحلية التي تعد الأقوى حالياً. ولم يستبعد المريشد قيام "سابك" باستحواذات جديدة إذا اتضحت جدواها، أو حدوث اندماجات بين بعض شركات البتروكيماويات خلال الفترة المقبلة.
لكنه أكد أنه على الرغم من تأثر "سابك" بتراجع الطلب العالمي بسبب الأزمة المالية، إلا أن وضع الشركة أفضل من وضع منافسيها بسبب المزايا النسبية التي تتمتع بها "سابك"، وأهمها انخفاض تكاليفها مقارنة بغيرها، وموقع الشركة الجغرافي الذي يتوسط أسواق الشرق والغرب، وغيرها من المزايا الأخرى. وهذا يجعلها أقدر من غيرها على تحمل ظروف الكساد العالمي، والأقدر على الانطلاق والمنافسة عند تحسن الأوضاع الاقتصادية العالمية. ومع ذلك، فقد أكد المحاضر أن "سابك" عازمة على ضغط المصروفات وتجميد الترقيات والحوافز والتحكم في المخزون وتحسين الإنتاج وتعزيز الخطط التسويقية والاعتناء بالعملاء.
والحقيقة أن أكثر ما كنت أتوق إلى استيضاحه من المهندس المريشد هو موضوع شراء "سابك" وحدة البلاستيك من شركة "جنرال إلكتريك"، وقد كان من حسن حظي أن كنت أول السائلين، فسألت المحاضر عن مدى كفاءة ووجاهة هذا القرار، فأكد أن قرار الشركة بني على أساس أن هذا استثمار طويل الأجل، سيعطي "سابك" فرصة استحواذ واستغلال براءات اختراع مهمة كانت تملكها "جنرال إلكتريك" في هذه الصناعة. وعندما سألناه عن النسبة التي يمثلها هذا الاستحواذ ضمن مجمل أعمال الشركة، أشار إلى أنه يشكل ما بين 10 و15 في المائة من حجم أعمالها!
وعندما عوتب المحاضر على مستوى شفافية "سابك" في الإعلان عن قوائمها المالية ونتائجها الدورية، أكد أن ما ينشرونه يستوفي مستوى الشفافية المطلوب ويماثل مستوى المعلومات الذي تعلن عنها الشركات العالمية المنافسة. وعندما قيل له إن بعض الشركات السعودية أعطت توقعات عن نتائجها المستقبلية، كان رده: إن نظام حوكمة الشركات لا يجبر الشركات على إعطاء توقعات مستقبلية. كما استبعد اتجاه شركته لمقاضاة شركات مالية روجت لتوقعات بانخفاض أعمال ونتائج "سابك" خلال المرحلة المقبلة, لأن ذلك يدخل ضمن حرية الرأي!!
وسئل عن أسعار الحديد فأكد أن سعر "سابك" هو الأقل في المنطقة, موضحاً أن إنتاج الشركة يغطى فقط 40 في المائة من السوق المحلية, رافضاً في الوقت ذاته التنبؤ بأسعار الحديد خلال الفترة المقبلة. وأضاف أن سعر خام الحديد يحدد في ثلاث مناطق في العالم. كما أكد أنهم لا يتحكمون في أسعار البلاستيك لكن أسعارهم منافسة.
نجح المهندس مطلق في إلقاء محاضرته بأسلوب جذاب وبخبرة الرجل المتمكن من معلوماته، وأجاب عن جميع الأسئلة، بيد أن بعض الحاضرين لم يقتنعوا ببعض نقاط المحاضرة. كما أنه لم يتحدث عن القضايا القانونية التي رفعت ضد "سابك" في الولايات المتحدة وفشلت في الدفاع عنها. ستظل "سابك" أحد صروحنا الاقتصادية المهمة آملين أن تنتقل من مرحلة بيع المواد الخام إلى مرحلة تصنيعها لتضيف قيما اقتصادية جديدة إلى ناتجنا القومي.