أرقامنا وتاريخهم!
في الدعوة إلى اعتماد الأرقام المستخدمة حالياً في كل العالم ما عدا قليلا من الدول العربية، ومعها اعتماد التقويم الميلادي، نقول استخدامهما إلى جانب المستخدم حالياً وما هو معتمد رسميا.. هو مواكبة لعصر بتنا نحتاج إلى مسايرته.. وحقيقة نكاد نكون الوحيدين في هذا الشأن.. لكن حين تتجه مؤسساتنا التعليمية وجهاتنا الرسمية إلى اعتماد التاريخ والأرقام, كما هو في العالم الآن، هل ستكون ضحية لعملية تغريب ومحاولة طمس هوية؟ هذا ما يثار ويؤكد ، ليس إلا لجعل الأمر كما هو عليه، رغم أن العالم بات قرية صغيرة وتواصله واضح والتفاعل معه واجب.
نادينا بذلك بحيث تُدرج إلى جانب ما نستخدمه، لا أن تكون بديلا نهائياً عنه، لكن هناك من غضب واستنفر ورأى في ذلك تحديا لجانب شرعي، يجب عدم الاقتراب منه..
من جهتي بحثت وتقصيت عن الجانب الشرعي في ذلك ، انطلاقاً من أننا أصحاب فطرة.. لا نريد أن نلوي على معصية، أو نستزيد من منكر.. ليقع بين يدي فتوى يعود تاريخها إلى نحو العقود الثلاثة، وفحواها كالتالي: على أثر اقتراح (الأمانة العامة للمنظمة العربية للمواصفات والمقاييس) استعمال الأرقام الغبارية [الإفرنجية123 ] بدلاً من الأرقام المشرقية [العربية321]، فقد أحالت وزارة العدل في السعودية هذا الاقتراح إلى مجلس هيئة كبار العلماء. وفي دورته الحادية والعشرين المنعقدة في مدينة الرياض ابتداءً من يوم 17/3/1403هـ قرر المجلس (إنه لا يجوز تغيير الأرقام المستعملة حالياً إلى الأرقام المستعملة في العالم الغربي لأسباب كثيرة، منها أن ذلك خطوة من خطوات التغريب، ولأنه مظهر من مظاهر التقليد للغرب واستحسان طرائقه، ولأن جميع المصاحف والتفاسير والمعاجم والكتب المؤلفة كلها تستعمل الأرقام الحالية في ترقيمها أو في الإشارة إلى المراجع وهي ثروة عظيمة هائلة، وفي استعمال الأرقام الإفرنجية الحالية ما يجعل الأجيال لا تستفيد من ذلك التراث بسهولة ويسر).
هذا نص الفتوى، لكن من المعلوم أن الأرقام المستخدمة حالياً لدينا لم تستخدم أو حتى تنشأ وتعتمد إلا في القرن الثاني من الهجرة، أي أنها ليست وحياً ولا توجيها نبوياً.. والأهم من ذلك أن التشدد بالرفض انطلق من التقليد والتغريب، وينفي ذلك أن كل ما هو أمامنا الآن يستخدم ذلك وبعضه يضيف إليه التاريخ الهجري، كواقع وجبت معايشته، وأحسب أنه يشبه في رفضه ما حدث للمذياع أولاً، ومن ثم التلفزيون من أنهما شر سيفتك بالأمة ثم ما لبثا أن كانا من أفضل الوسائل للذكر والتنوير.
الشأن الآخر في الموضوع وهو الأهم أن كل ما يتعلق بحياتنا وأموالنا وعلاقاتنا كلها مرتبطة بالعالم، فبترولنا يخضع للتاريخ العالمي، وبنوكنا ترتبط بالأرقام العالمية وعلاقاتنا معنية بالتقويم العالمي، والأحداث والطيران ومواعيد المستشفيات، وغيرها الكثير والكثير، حتى مواسمنا وفصولنا نضبط حركتها مع الدورة الشمسية لا القمرية، ونحن ندرك أن التاريخ الميلادي هو المرتبط بالأولى.
أقول لن أدخل في جدلية أي من الأرقام عربي أو هندي أو إفرنجي.. ولا حتى محاولة التأكيد على أن الأشهر الشمسية الميلادية هي المستخدمة أكثر عند العرب قبل الإسلام وبعده، ولكن بأسماء عربية.
ما نريده.. هو أن نواكب ما نحن عليه الآن وبما يفيدنا ويقربنا من قراءة الأحداث وفهمها من خلال اعتمادها في مدارسنا جنباً إلى جنب مع أرقامنا وتاريخنا الهجري، بعيداً عن المؤامرة والتغريب.