المواطن والغبار وجها لوجه

العاصفة الرملية والغبار الكثيف الذي اجتاح معظم مناطق ومدن وقرى وهجر السعودية، يوم الثلاثاء الموافق 10 آذار (مارس)، والذي حول منطقة الرياض إلى اللون البرتقالي، وتسبب في حدوث عديد من حالات الاختناق في التنفس بين المواطنين، ووقوع أكثر من 143 حادث سير ومرور بالرياض، ونحو ثلاث وفيات، إضافة إلى الخسائر المادية، وكذلك تسبب في حدوث اختناقات في حركة السير، وإيقاف لحركة الملاحة الجوية والبحرية، يؤكد بما لا يقبل الشك أو التأويل فشل الأجهزة الحكومية المعنية بالأمر الفشل الذريع، في التعامل مع تلك العاصفة وذلك الغبار، بالشكل الذي يدرأ المخاطر المحتملة عن المواطن والمقيم.
كما عودتنا الأجهزة والمؤسسات الحكومية المختلفة في السعودية في حالة إخفاقها، دافعت الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة عن نفسها وبرأتها مما حدث، عبر تصريح أحد مسؤوليها لوسائل الإعلام المحلية، أن الرئاسة قد حذرت من تلك العاصفة ومن تقلبات الجو قبل أربعة أيام، وأنها قد ذكرت أن أجواء المملكة ستكون غير مستقرة، كما أنها قد قامت بالتحذير عبر جميع الصحف ووكالة الأنباء السعودية "واس"، قبل يومين من أن المنطقة الوسطى ستتعرض لرياح نشطة، ستتسبب في انعدام الرؤية إلى أقل من مترين.
الرئاسة كذلك قد أكدت على أنها قد أبلغت الأجهزة الحكومية المختلفة المعنية بالأمر، مثل الدفاع المدني ووزارة التربية والتعليم وجهات الاختصاص في الطيران المدني بأنباء العاصفة قبل خمسة أيام من حدوثها، ولكن وعلى الرغم من ذلك فقد نفت وزارة التربية والتعليم في بيان أصدرته تلقي أية معلومات رسمية من أي جهة بشأن تلك العاصفة.
أصبت بالدهشة والذهول عندما اطلعت على تصريح ورد في جريدة "الرياض" العدد 14870، لمصدر مسؤول في الرئاسة حول ملابسات العاصفة وتداعياتها، والذي حمل من خلاله نتائج ما حصل، إلى ضعف ثقافة المواطن في التعامل مع أحوال الطقس، وعدم اهتمام البعض بذلك، مؤكداً في ذلك أنه من النادر جداً أن يبادر أي مواطن خصوصاً المسافرين بالاتصال على هواتف الرئاسة للسؤال عن حالة الطقس على الطرق السريعة، مستطرداً في القول، إن الكم الهائل من الرسائل الإعلامية التي بثتها الرئاسة خلال أسبوعين قبل بدء العاصفة كانت كافية للتحذير من حالة الطقس المقبلة، لو تعامل معها الجميع، كما أنه قد أكد في ذلك الخصوص، على أن دور الرئاسة يتمثل فقط في الإعلان عن الأجواء، وأن ما يتعلق بالأمور الأخرى فهناك جهات حكومية أخرى يفترض أن يكون دورها واضحاً في هذه القضية، ولعلي أتساءل هنا عن الدور التوعوي المنوط بالرئاسة، وبالذات فيما يتعلق بتوعية أفراد المجتمع الذين لديهم وفق زعم الرئاسة ضعف في ثقافة الطقس والأحوال المناخية والجوية، بما في ذلك الرفع من مستوى ودرجة الوعي لديهم، ولا سيما أنه من بين الأدوار الرئيسة البارزة لعمل الرئاسة، نشر الوعي البيئي بين أفراد المجتمع السعودي كافة.
في رأيي أن سوء تصرف الأجهزة الحكومية المختلفة المعنية بالأمر بالتعامل مع الآثار السلبية للعاصفة، يعد فضيحة في حق المواطن، ولا سيما في ظل غياب وجود خطة أو استراتيجية وطنية مركزية للتعامل مع حالات الطوارئ، مثل الكوارث الطبيعية كالعواصف الترابية والرملية أو غير الطبيعية، التي تعمل على التقليل من المخاطر والآثار السلبية المحتملة على المواطن وممتلكاته.
في رأيي كذلك أن إخفاق الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة بتوعية أفراد المجتمع بالشكل المطلوب، بما في ذلك ضعف التنسيق مع الأجهزة الحكومية المختلفة المعنية بالأمر كما ينبغي، قد أسهم بشكل كبير في مضاعفة الآثار السلبية للعاصفة، وحدوث، كما أسلفت، حالات من الوفيات والاختناق في التنفس بين المواطنين والمقيمين، إضافة إلى الخسائر المادية، ولعلي أطرح هنا العديد من التساؤلات التي لها علاقة بسوء تصرف الأجهزة الحكومية في مثل تلك الحالات وضعف التنسيق فيما بينها، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، من هو المسؤول عن تعويض المواطنين بما في ذلك المقيمون عن الأضرار الجسدية والمادية التي لحقت بهم؟، ما الدور الذي ستلعبه هيئة حقوق الإنسان وكذلك الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان للدفاع عن حقوق المواطنين المتضررين؟، ما دور مجلس الشورى في المطالبة والتأكيد على ضرورة توافر خطط مركزية للتعامل مع حالات الطوارئ، والتحقق من كيف لمثل تلك الإخفاقات لها أن تحدث بالأجهزة الحكومية؟ وكيف يمكن تلافي حدوثها مستقبلاً؟ وعلى من تقع المسؤولية؟ وهل ستتم محاسبة ومعاقبة المقصرين والمهملين، وكيف؟ وهل تعلمنا دروسا مستفادة من ذلك الإخفاق في التخطيط والتنسيق بين الأجهزة الحكومية المختلفة، وبالذات فيما يتعلق بالتعامل مع الطوارئ، بالشكل الذي يكفل درء المخاطر عن المواطن، والتقليل من الخسائر المحتملة؟
إنني أعتقد من حق المواطن أن يعرف حقيقة ما حدث، ولا سيما أن بعض الأجهزة الحكومية قد أثبتت عجزها وعدم قدرتها على التعامل مع تداعيات المشكلة، إما بسبب غياب القدرات والمهارات المرتبطة بإدارة الطوارئ والأزمات، أو بسبب، وفقما أشار إلى ذلك الكاتب موسى بن مروي في عموده الـ "رأي" في جريدة "الوطن" في العدد 3085، عجز بعض الأجهزة التنفيذية عن تطوير أدواتها، ومستوى تأهيل منسوبيها، الأمر الذي يتطلب من وجهة نظره، وقفة جادة من المسؤولين في هذه الأجهزة للقيام بالإجراءات اللازمة للانضمام إلى آليات العمل المشترك بين الأجهزة ذات العلاقة في مثل هذه الظروف المناخية، والتي من أهمها وضع آلية واضحة وصريحة تفوض مديري الأجهزة والقطاعات مهما صغر حجم وحداتها ليكون بمقدورهم التعامل بمسؤولية في مثل هذه الظروف للحد من الأضرار المتوقعة.
خلاصة القول، إن كارثة العاصفة الرملية التي اجتاحت معظم مدن المملكة وقراها وهجرها، وتسببت في وقوع خسائر بشرية ومادية فادحة، بسبب عدم قدرة الأجهزة المعنية في الدولة على التعامل مع تداعياتها، في حاجة إلى وقفة صارمة للتعرف على الأسباب الكامنة وراء ذلك الإخفاق، واتخاذ الحلول والتدابير اللازمة للحيلولة دون تكرار حدوثها في المستقبل، بما في ذلك محاسبة ومعاقبة المقصرين والمهملين في الأمر.
في رأيي كذلك أن مثل تلك المشكلة وغيرها الكثير مما قد حدث في الماضي مثال حمى الوادي المتصدع، وحمى الضنك، ونفوق الإبل، والمبيد الحشري القاتل (فوسفيد الألمونيوم)، يستلزم التفكير الجاد في إيجاد خطة وطنية مركزية للتعامل مع الطوارئ والكوارث الطبيعية وغير الطبيعية، بما في ذلك تدريب وتأهيل الكوادر، وتوفير الأدوات اللازمة، والتشديد على آليات العمل المشترك بين الأجهزة الحكومية ذات العلاقة.
أخيراً وليس آخرا، لعلي أطالب بضرورة رفع مستوى الوعي لدى المواطن والمقيم بحالة الطقس والتغيرات المناخية، من خلال استخدام عديد من الوسائل والأساليب والطرق الإعلامية، التي من بينها على سبيل المثال، إعادة بث النشرة الجوية اليومية في التلفزيون السعودي التي تم إلغاؤها في وقت سابق، شريطة أن يتم ذلك بأسلوب عصري متطور جاذب ومشوق، يتناسب مع المتغيرات ومع المستجدات في نقل الرسائل الإعلامية والتوعوية للمواطنين، وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي