مبادرة رائعة! .. صندوق التنمية الصناعية

دعوت في مقالي السابق – وشاركني زملاء آخرون في هذه الصحيفة – سلطاتنا الاقتصادية ومختلف مؤسسات الوساطة المالية في اقتصادنا وبالأخص بنوكنا التجارية، إلى ضرورة الالتزام بواجباتها ومهامها في توفير التمويل اللازم للأنشطة الاقتصادية الحيوية في اقتصادنا، على أن يكون بتكاليف معقولة وبطريقة مسؤولة, مع الإقرار بحق البنوك في طلب الضمانات المناسبة. وبعد دعوتي بأيام حملت لنا الأخبار قيام صندوق التنمية الصناعية - وهو إحدى مؤسساتنا العريقة المانحة للائتمان في اقتصادنا - بدور رائد ومسؤول تجاه تراجع البنوك أو تحفظها الشديد عن توفير التمويل إلى المشاريع المتوسطة والصغيرة. ونحن من هذا المنبر نحيي ونشيد إشادة بالغة بهذه القرارات السريعة والحاسمة التي اتخذها صندوق التنمية الصناعية, بإعلانه يوم الإثنين الماضي رفع معدل الكفالة التي يقدمها الصندوق للقروض التي تمنحها المصارف المحلية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة الجديدة، من 50 في المائة إلى 75 في المائة من قيمة القرض، ورفع الحد الأعلى لقيمة الكفالة من مليون ريال إلى 1.5 مليون ريال.
في أوقات الركود الاقتصادي قد تتردد البنوك في توفير التمويل بالمستويات التي اعتادتها نفسها في فترة الرواج نظرا لارتفاع المخاطر. وقد سمعنا بالفعل أن بعض البنوك أعادت جزءا من السيولة التي جاءتها من مؤسسة النقد، لعدم رغبة البنوك التجارية في تحمل مخاطر منح الائتمان لأنشطة مرتفعة المخاطر (أو أصبحت عالية المخاطر في ظل ظروف الكساد السائد), ومن ثم لا ترى لها مصلحة في تحمل تكاليف نقود لن تتمكن من تشغيلها.
إن مسؤولية مؤسسة النقد كسلطة نقدية مختصة برسم وتنفيذ السياسة النقدية ينبغي ألا تقتصر على مجرد تخفيض سعر الاقتراض أو مجرد إيداع أموال الحكومة لدى بنوك لا تريد منح الائتمان، وإنما التأكد أيضا من أن كل هذه الترتيبات ستفضي إلى إقدام البنوك على منح الائتمان لمختلف المؤسسات الباحثة عن تمويل لأنشطتها الاقتصادية. وإذا فشلت هذه السياسة، يتعين حينها النظر في سبب امتناع أو تردد البنوك عن توفير الائتمان ومساعدتها على ذلك تماما كما فعل صندوق التنمية الصناعية.
نحن لا نوجه اللوم للبنوك فقط، ففي الأوقات الاستثنائية لا تستطيع البنوك مواجهة عوامل الركود وحدها، كما أنها ليست مسؤولة عن ارتفاع مخاطر التمويل نظرا لتخلف الجوانب التنظيمية في البيئة التي تعمل فيها. وهنا يأتي دور الحكومات في سرعة إصلاح البيئة التنظيمية لمختلف قطاعات الاقتصاد, مع تقديم الدعم والضمانات الضرورية للبنوك لتسهيل قيامها بمهامها التمويلية. لا يصح أن نقف متفرجين على اقتصادنا وهو ينكمش بشكل خطير، ثم نصحو بعد خراب مالطا! فنحن ما زلنا بحاجة إلى سياسات محفزة للنمو الاقتصادي، وسياسات تضمن استقرار وتوازن الاقتصاد من خلال توفير السيولة لمشاريع القطاع الخاص، وتوجيه الإنفاق الحكومي بصورة أكبر نحو المشاريع المولدة للوظائف، مع مواصلة إصلاحات سوق العمل والجهاز الحكومي ومكافحة الفساد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي