مطلوب دور إيجابي من مصارفنا

الوظيفة الأساسية للمصارف (البنوك) هي توفير التمويل اللازم لسد حاجة النشاط الاقتصادي. وإذا قصرت المصارف عن أداء هذه المهمة تأثر النشاط الاقتصادي وتعطلت المبادلات بين أطراف المجتمع. صحيح أن المصارف مؤسسات خاصة تسعى للربح من خلال تشغيل أموال المودعين، وصحيح أيضا أن هذا الوضع يفرض عليها أخذ الحذر عند تشغيل هذه الأموال، إلا أنه يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن المجتمع قد منح هذه المصارف امتياز جمع الأموال من الناس وتشغيلها، وهي تحقق بهذا عوائد مجزية وأرباحا ضخمة لملاكها من حملة الأسهم. ومن ثم فإن المجتمع ينتظر منها أن تقوم بمهمتها الأساسية بتوفير التمويل اللازم بتكاليف معقولة، وأن تضطلع بمسؤوليتها المهنية بتوجيه التمويل نحو الأنشطة الأكثر نفعا للاقتصاد، وألا تجعل نصيبا كبيرا من نشاطها التمويلي موجها للقروض الشخصية والاستهلاكية.
وكان الدكتور محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد قد صرح أخيرا بأن السيولة ‏في القطاع المصرفي السعودي كافية ومتوافرة! وأن تكلفة الاقتراض الآن معقولة بفضل قرارات السياسة النقدية التي تبنتها المؤسسة أخيرا، لكني أخشى أن تكون تكلفة الإقراض أعلى مما كانت، فبينما خفضت مؤسسة النقد تكلفة الحصول على السيولة، رفعت المصارف تكلفة التمويل على عملائها وزادت بذلك هوامش أرباحها. ولا شك أن ارتفاع تكلفة التمويل إلى هذه المستويات القياسية سيؤثر في حركة الاقتصاد ويعمق من أسباب الركود ويجعل بعض المشاريع غير مجدية اقتصاديا. كما أخشى أن يكون توافر السيولة لدى المصارف قد غدا شكليا، باتباعها سياسات تمويل أكثر تشدداً حول الشروط والضمانات المطلوبة من العملاء، فالسيولة المترددة القابعة في مخازن المصارف التي لا تخدم طلبات التمويل، يكون وجودها كعدمها.
ومن الواضح، في ظل الأزمة المالية العالمية الراهنة، أن بنوكنا بدأت تتحفظ كثيرا في تمويل بعض الأنشطة الاقتصادية كنشاط المقاولات والعقار لاعتقاد البنوك بارتفاع نسب المخاطرة في هذه الأنشطة بسبب عدم وضوح الرؤية عن مدى ‏قدرة هذه الشركات على الوفاء بالتزاماتها مستقبلا. لذلك نحن بحاجة إلى لجنة طوارئ اقتصادية تنظر بعمق في مسألة تعثر التدفقات النقدية لقطاعات الاقتصاد، خاصة القطاعات الحيوية - كقطاعات العقار والتطوير والإسكان ونحوها ـ من أجل حماية الاقتصاد من الانزلاق في هوة الركود، ثم نضطر فيما بعد لبذل جهود أكبر لانتشالها من هذه الهوة.
ولعل هذا الوضع يذكرنا بما حذرنا منه مرارا وتكرارا، من أن تأخر إصلاح الاقتصاد يورث مشكلات جمة وخطيرة، خاصة في أوقات الأزمات. وفي تقديري أن ضيق قنوات وفرص الاستثمار وغياب الأنظمة والهياكل التنظيمية هي التي تدفع للمضاربة في أنشطة غير مثمرة اقتصاديا، كالمضاربة على الأراضي الفضاء أو على الأسهم. هذه المضاربات التي تنشط في اقتصادنا بين حين وآخر، تؤدي إلى المبالغة في أسعار الأصول العقارية أو المالية. الأمر الذي يجعل البنوك تتحفظ وتحجم عن توفير التمويل اللازم حتى لنشاط حقيقي منتج كنشاط التطوير والبناء العقاري، لأنه قام أصلا على مقدمات مضاربية جعلت تكلفة الأرض ثم المساكن فوق طاقة عامة الناس وخارجة عن حدود دخولهم. لهذا ما فتئنا ننادي بضرورة القضاء على مظاهر النشاط المضاربي في اقتصادنا، خاصة في الأنشطة الحيوية التي ترتبط بمصالح الناس وحياتهم اليومية كقطاع العقار والإسكان.
السياسة النقدية في اقتصادنا ضعيفة الأثر في تحريك اقتصادنا مقارنة بالسياسة المالية، ومع ذلك فقد غدت الآن عديمة الفاعلية مع انخفاض تكلفة التمويل على المصارف إلى مستوى يقارب 1 في المائة، وإحجام المصارف أو ترددها في توفير الائتمان اللازم. أتمنى ألا نتأخر أو نقلل من تقدير حجم الذيول الخطيرة للركود على اقتصادنا، كما فعلنا عندما داهمتنا مشكلات اقتصادية سابقة.
الأزمات تتطلب أسلوبا مغايرا في إدارة الاقتصاد، والأزمة الراهنة تتطلب توجيه المصارف لتحمل مسؤولياتها، مع تقديم الحكومة جميع التسهيلات والضمانات لها، وإلا فإننا سنهيئ الظروف لانتشار الأفكار الاقتصادية المتطرفة.
نريد اقتصادا يجمع بين دواعي الكفاءة الاقتصادية ومقتضيات العدالة الاجتماعية بطريقة حكيمة وذكية ومتوازنة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي