أفتونا.. فاختلافكم قد أقلقنا؟!
لم أكن أريد أن أخوض فيما ليس لي به علم، ولم أرغب في أن أكون ضد أو مع، ناهيك عن الرغبة الأكثر إلحاحا وهي أن من بيننا من يريد دائماً أن يحمل الأمور بغير ما تحتمل أو ينظر إلى ما يطرح أو يكتب إلى أن وراءه ما وراؤه وكأنه يقرأ المخفي والمستور.
الموضوع الشائك الذي لفت نظري ويمسنا مباشرة هو غطاء الوجه أو ما يسميه البعض النقاب، والشاهد أن أحد شبابنا - وفقه الله - قام بعد الخطيب ليحذر المصلين من خطر رهيب يهدد الأمة وهو استمراء نزع النقاب، وخروج المرأة كاشفة الوجه، من جهتي ما يقوله مقبول ولا سيما أنني أنتمي إلى مجتمع يفعل ذلك ولا يتنازل عن نقابه، لكن كان المنعطف المثير أنه أكد وألزم وأخرج من الملة من لا تلتزم بالنقاب، بل إنه حرم عليها الجنة.
يا ساتر يا رب .. قلت ذلك في نفسي وهو مستمر في استشهاداته وتوثيقه الذي خلص لتأكيده عبر آيتين: في الأولى، قال تعالى في كتابه العزيز: "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ولا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" الأحزاب 33، وفي الثانية قال الله تعالى: "وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ الأحزاب" 53، وما أعرفه أن الآيتين موجهتين لآل البيت من نساء الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم.
محدثنا .. وبكل موضوعية أشار إلى أن هناك أحاديث عن نساء مؤمنات كاشفات الوجه، لكنه استدرك بالقول بوجوب العمل بالقاعدة الفقهية التي تنص على أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؟
هذا جانب .. الجانب الآخر هو الكتاب الذي صدر عن الأوقاف المصرية ويحمل عنوان: "النقاب عادة .. وليس عبادة" مستخلصاً رأي لثلاثة من كبار العلماء في مصر هم شيخ الأزهر الحالي الدكتور محمد سيد طنطاوي ومفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة والشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - إلى جانب وزير الأوقاف الدكتور محمود حمدي زقزوق، وجميعهم وعبر الدليل والحديث يؤكدون أن النقاب عادة وليس عبادة .. من جهتي ومعي كثيرون مازلنا في حيرة .. بعيداً عن مقولة إن اختلاف العلماء رحمة .. لأن في ذلك تشتت واختلافا كليا يمس المرأة ويؤثر فيها وفي نسق حياتها، فهل ما لدينا هو الحق وهم قد سقطوا في المبالغة والتمدن الزائف، أم ما لديهم حقيقة وما نحن عليه مبالغة وجب إيقافها .. نريد أن نعلم فالعالم بات قرية صغيرة والإسلام يطوله الشتات والتغريب من أهله، والاتفاق رحمة .. لا نقمة، وأحسب أن هيئة كبار العلماء في السعودية وهي التي باتت أكثر نضجاً وتنوعاً قادرة على أن تكون لنا عوناً نحن معشر العامة، فقد سئمنا كثرة الفتاوى والجزم الكامل بالحقائق .