وزن الكأس وأعباء الحياة
الحياة صعود وهبوط والإنتاج بين نشاط وكسل، والله وصف خلقه ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت، ونحن في عملنا تفاوت، ومواجهة الحياة يجب أن تكون من نوع أسلوبها. وفي الحديث إن الفرق بين المؤمن والمنافق، أن المؤمن مثل خامة الزرع تصرعها الريح ثم تعدلها حتى تنضج، أما المنافق فهو مثل الأرزة الجافة يكون انجعافها مرة واحدة. وفي القرآن مثل الكلمة الطيبة والخبيثة، أن الأولى شجرة راسخة، والثانية أيضا شجرة، ولكن الأولى فيها طابع الاستمرارية فتعطي ثمرها كل حين بإذن ربها، أما النوع الثاني من الشجر فينمو ويكبر ثم يسقط ويجتث من الأرض مالها من قرار. وهذه الأمثلة كلها تمر على الإنسان في الحياة من أجل التعامل المرن مع الحياة، وأنها لا تعطي أسرارها بسهولة، وهناك من يركض بسرعة للربح السريع فيقع ويطويه الزمن غير مأسوف عليه، وحين أقلب أنا أحيانا أكوام المقالات التي كتبت لا أصدق، ولذا وجب فهم أن هناك معادلات تحكم الحياة، ومن هذه الحكم العجيبة قصة الكأس والأستاذ، فقد سأل في يوم من الأيام محاضر يلقي محاضرة عن التحكم بضغوط وأعباء الحياة لطلابه، فرفع كأساً من الماء وسأل المستمعين ما هو في اعتقادكم وزن هذا الكأس من الماء؟
وراوحت الإجابات بين 50 جراما إلى 500 جم؟ فأجاب المحاضر: لا يهم الوزن المطلق لهذا الكأس، فالوزن هنا يعتمد على المدة التي أظل ممسكاً فيها هذا الكأس؛ فلو رفعته لمدة دقيقة لن يحدث شيء، ولو حملته لمدة ساعة فسأشعر بألم في يدي، ولكن لو حملته لمدة يوم فستستدعون سيارة إسعاف.
والكأس له نفس الوزن نفسه تماماً، ولكن كلما طالت مدة حملي له كلما زاد وزنه، فلو حملنا مشكلاتنا وأعباء حياتنا في جميع الأوقات فسيأتي الوقت الذي لن نستطيع فيه المواصلة، فالأعباء سيتزايد ثقلها.
فما يجب علينا فعله هو أن نضع الكأس ونرتاح قليلا قبل أن نرفعه مرة أخرى، فيجب علينا أن نضع أعباءنا بين الحين والآخر لنتمكن من إعادة النشاط ومواصلة حملها مرة أخرى؛ فعندما تعود من العمل يجب أن تضع أعباء ومشكلات العمل ولا تأخذها معك إلى البيت، لأنها ستكون في انتظارك غداً وتستطيع حملها.