هل مقياس الخبيث والطيب مرتبط بالكثرة والقلة ؟
الأخ قدورة من بانكوك يعتبر أن فكرتي حول اللاعنف والمقاومة السلمية أوهاما كبيرة، وأن معظم ما كتبت ودونت لا ينتمي لها أكثر من طلاب فصل دراسي واحد يمكن حصر أسمائهم؟!
مع هذا فقد أشكل عليه معنى الإثم الموجود في قول ابن آدم المقتول.
"إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك"، فما إثمه وهو لم يقتل بل كان المقتول المسكين؟
كذلك أشكل عليه معنى المقصود من سورة الكهف: "لا يفقهون قولا"، مع أنهم بنوا السد؟
وفي قناعتي أن الأهم من الإشكالات الثلاثة هو الأول أي تحرير مفهوم الجيد والسيئ عن الكثرة والقلة؛ فالقلة والكثرة لا تحكم مبدأ؛ واجتماع ألف جاهل على مريض مصاب باليرقان (أبو صفار) لا يشخص المرض فضلا عن علاجه.
وطبيب واحد متخصص في الأمراض الهضمية، هو أثقل في الميزان من كل جهلاء الأرض.
والقرآن أعطانا مقياسا للصواب والخطأ أنه لا علاقة له بكمية الناس المجتمعة عليه، أو المتفرقة عنه، فقال: "قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث". وفهما من هذا النوع يحصله من ملك عقلا نقديا؟ وهو طريق النجاح (الفلاح) فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون..
وفي الحديث يأتي النبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد، وأنا شخصيا مشى معي أناس شتى، فمنهم من تابع ومنهم من سقط، فاتخذت لنفسي آية ألا أنظر لمن سقط أو من تابع، بل أشق طريقي دوما بدأب دون الالتفات للأتباع والدراويش.
وصديقي عبد الواحد سألني أيضا عن سر متابعتي
قلت له لأنني انخلعت من الوسط فلا آبه لمن نشط ومن كسل..
وهو مبدأ قرآني، فطالما كان الحساب في الآخرة فرديا فكل امرئ يسأل عما قدم، ولا يسأل عما يعملون، ولذا سطر القرآن مبدأ أساسيا في بذل الجهد والطاقة، ألا يلتفت الإنسان لعمل الآخرين، بل القيام بواجبه وما يراه صحيح.
"يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لايضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون."
وفي سورة البقرة تأتي قصة طالوت وداوود وجالوت، وهي تظهر مبدأ الـ 1 في المائة، حيث تناثر الجيش المتحمس من المتطوعة، وبدأ بالانكماش حتى يصل رقمه إلى 1 في المائة حين الالتحام العظيم.
وهو المبدأ الذي تحدث عنه الحديث أن الناس مثل الإبل 1 في المائة فقط من يعتمد عليه، إنما الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة.
وفي الإنجيل يأتي مثل الزارع أن الناس أربع أصناف: من يحترق بسرعة، ومن يخطف قلبه الشيطان، ومن تخنقه أهواء وشهوات وغرور الغنى، ومن هو أرض طيبة فتخرج الحبة ستين وثمانين ومائة.
ومثله في القرآن مثل الحبة التي تصبح 700 إلى أضعاف كثيرة عن أثر الإحسان والصدقة.
وأما قصة ابن آدم وإثمه، فهل أحد منا لا يحمل خطيئة أو إثما؟! فحين جاءت لحظة الموت، قال الأخ لأخيه سوف تحمل وزر قتلي فضلا عن الخطايا التي تحملها أنت، فهذا هو المعنى: "إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار".
وأما رحلة ذي القرنين الثلاثية فهو اجتمع بثلاث مجموعات من الناس، حيث الينابيع الدافئة في الغرب، وحيث الأقوام البدائية من العراة في الشرق حيث الحرارة الشديدة، وأخيرا في المناطق الجبلية حيث البرودة وحيث الأقوام البدائية التي لا تتقن الأدب والفكر والثقافة والعلم فلا يكادون يفقهون قولا.
وبالطبع فإن الحاجة إلى الأدوات المعرفية والعلوم الإنسانية يمكن أن تقربنا من فهم المعنى الأدق للآية..