المرأة السعودية القضية
أجد أن الدكتور محمد السعيدي في مشاركته قد لخص تماما ما يكتنف مجتمعنا منذ أحداث أيلول (سبتمبر) 2001م التي اعتبرها الدكتور عبد الرحمن الحبيب نقطة تحليل بدأ منها, على عكس الدكتور محمد السعيدي الذي استقرأ تاريخ إقحام الفلسفة الوضعية وما تلاها من اتجاهات ليبرالية في نسيج مجتمعات إسلامية على مدى 100 عام والذي يبعد الدين عن الحياة أسوة بما طالبت به الثورة الفرنسية التي يتم الآن محاولات استنبات بذورها في مجتمعنا المسلم فيفشلون. كما فشلت هذه المحاولات في المجتمعات الإسلامية التي تم إقحامها في هذه البوتقة الجهنمية. فقد ذكر الدكتور محمد السعيدي أن: ( الفكر الليبرالي قد اكتسح معظم العقول المثقفة في العالم الإسلامي وطبعها بطابعه في نظرته للمرأة والدين والسياسة والإعلام والفن حتى انساق المجتمع بأخلاقه وتقاليده بل بلباسه وراء التوجه الليبرالي الذي ظن أن الفكر الإسلامي لم يعد يشكل أدنى خطر عليه. وفي أحضان الليبرالية نما الشعور الإسلامي من جديد في أشد المجتمعات امتلاء بالقيم التحررية وأصبح يخوض الحرب نفسها التي خاضها ضده حاضنه اليوم ومحضونه بالأمس وهو يؤمل أن تكون الدائرة هذه المرة له لا عليه. من قرابة قرن حيث كانت المعركة قوية بين التيارين في دول عدة من مراكز الإشعاع في العالم الإسلامي, لم تكن الليبرالية غائبة عن بلادنا كما قد يبدو للبعض, بل كانت موجودة في نفوس كثيرين وأنفاسهم وشيء من تصرفاتهم، لكنها كانت عاجزة عن التعبير عن نفسها لأن العوامل التي ساعدتها في مصر وتركيا وغيرهما من بلاد العالم الإسلامي لم تكن مهيأة لها في بلادنا ومن المستحيل في نظرها أن تظهر على الملأ دون ظروف مشابهة لتلك الظروف). ثم يوضح أن الليبراليين (استطاعوا أن ينتصروا في معركة الوجود والتأثير في أكثر أنحاء العالم الإسلامي وتغلب مفاهيمهم ورؤاهم على كل شيء في تلك المجتمعات ويتهيأ لهم من الظروف النظامية والإعلامية ما استطاعوا به أن يكيفوا كل شيء لمصلحتهم، ومع ذلك مرت عقود من الزمن وهم لم يستطيعوا أن يقدموا لأمتهم أي إنجاز يمكن أن يصمدوا من خلاله عند المناظرة في جميع الجوانب التي اكتسحوها. وكان أهم تلك الجوانب هو جانب المرأة التي تعد مركزا في الاهتمام الليبرالي وأولية في دعايته ووعوده.. ومع ذلك فلم تتقدم المرأة قيد أنملة في كل بلد علت فيه كلمة الليبرالية والتحريرية بل أضافت إلى مشكلاتها التقليدية عديدا من المشكلات الغريبة عليها).
إذا نجد أن ما قام به من يعتنق الليبرالية بديلا عن التشريعات الإسلامية في المجتمعات الإسلامية الأخرى، هو استنبات بذور فكرية لا تستنبت في أرض خصبة بالإسلام ولهذا أخفقوا وفشلوا في تحقيق النعيم الذي يحلمون به بعيدا عن تشريعات سماوية هي الأصل لمن خلق الناس وأعلم بما يصلح لهم ولنفعهم.
وقد وضح هذه النقاط الدكتور السعيدي في مشاركته بقوله: (تجرأ معتنقو هذا الفكر على التقدم في بلادنا بالمطالب نفسها التي تقدم بها إخوانهم في سائر أنحاء العالم الإسلامي ورفعوا جميع الشعارات التي سبق أن رفعت في أماكن شتى من العالم، فلا جديد إذا.
رفع الظلم عن المرأة وإعطاؤها كامل حقوقها الهدف المعلن الذي يناضلون من أجله أما وسائله: عمل المرأة، والاختلاط، والسفور، والحد من قوامة الرجل، وسفر المرأة دون محرم، ومشاركة المرأة السياسية، لا جديد في هذه المطالب عما كان قاسم أمين قد نادى به قبل أكثر من 70 سنة. وكما أن قاسم قدم هذه المطالب بأسلوب شرعي ناقش به الفقهاء ليظهر أمام الناس شرعية مطالبه, فالفقه واختلاف العلماء هو الباب الذي ما زال الليبراليون في بلادنا يلجون منه للتعبير عن هذه المطالب).
ثم يؤكد على أن: (الفقهاء كغيرهم من حملة العلوم الأخرى من سياسيين وأطباء واجتماعيين قد لا يشعرون بالحاجة إلى إعادة النظر في منتجاتهم ومؤسساتهم لاعتقادهم أنها ما زالت تلبي مطالب الأمة منهم، ولا يمكن أن يعرفوا جوانب القصور لديهم إلا من نظرة خارجة عنهم، وأصدق نظرة يمكن أن نتعرف بها على عيوبنا ومواضع النقص فينا هي نظرة خصومنا المتربصين بنا، وكلما كانت النظرة الناقدة أعنف وأقسى كانت أكثر إلجاء إلى إعادة النظر وترتيب المقاعد من جديد. من هنا يمكن أن نفهم سنة التدافع فيما يقع اليوم بين الإسلاميين والليبراليين بشكل عام وليس في شأن المرأة خاصة، فالليبراليون في نقدهم الشديد للمؤسسات الدينية لم يكونوا في كل ما قالوه مخطئين بل إن عددا من مطالبهم شرعي وقد سبق بعض الفقهاء إلى طرحه لكن الطرح بقوة وبشكل يدعو إلى إعادة النظر كان من الليبراليين أو من نحا نحوهم ومنها على سبيل المثال فيما يخص المرأة - موضوع محاضرتنا - المطالبة بتوظيف النساء كمعرفات في كتابات العدل والمحاكم والمطالبة باستحداث بطاقات شخصية للنساء والمطالبة ببيع النساء للملابس النسائية والمطالبة بتقنين الأحكام القضائية المتعلقة بالحضانة والنفقة والخلع والمطالبة بحماية المرأة من العنف الأسري).
هنا أجد الدكتور السعيدي موضوعيا في تحليله للواقع الاجتماعي الذي لا يصل إلى مستواه أي متحدث من الليبراليين الذين يسلطون سياطهم وحدتهم على جميع من لا يوافقهم علي آرائهم, حتى لو كن من النساء الذين يدعون أنهم يدافعون عن حقوقها!! وكما قلت سابقا في مقالاتي السابقة منذ أعوام أنه كما يبدو أن هناك نساء بمواصفات معينة – ربما - هن اللاتي يدافع عنهن أي إنسان سعودي ليبرالي كما يحبون أن يوصفوا!! سواء من النساء أو الرجال، ذلك أنهم يتشبثون بمعطيات غربية يستنبتونها بمتناقضاتها في تربة مجتمع مسلم يرفض هذه البذور المسمومة التي لم تحقق الأمن للنساء اللاتي يعشن في المجتمعات التي يستوردون منها هذه المطالب وهذه النداءات
إن ما نحتاج إليه ونطالب به بصفتنا نساء مسلمات أن نترجم حقوقنا الشرعية كما جاء بها التشريع الإسلامي بعيدا عن أي تطبيق لتشريعات غربية أو مظلة غربية تدعي الدفاع عن حقوقنا نحن النساء وكأننا قاصرات لا حول لنا ولاقوة، ولا قدرة في الدفاع عن هذه الحقوق الشرعية والقيام بواجباتنا الأسرية والمجتمعية وفق مظلة التشريعات الإسلامية، وليس وفق التوجهات الليبرالية الفاشلة!! وأن نكون واعيات ونحن نستفيد من تجارب المجتمعات الإسلامية أو حتى الغربية وإخفاقاتها في تحقيق الأمن الأسري والمجتمعي. فنبدأ من حيث انتهوا، ولا أن نعيد تجاربهم الفاشلة سواء على مستوى بيئة العمل أو نوعية المطالب المجتمعية.
وكم هو مهم أن تتاح المنابر الإعلامية التي تناقش قضايانا نحن النساء على وجه الخصوص، لتوضيح الآراء للجميع لا أن تترك الفرص فقط للصوت الذي يمثل الاتجاه الليبرالي والتحكم في مصادرة الآراء التي لا تتفق مع هؤلاء الليبراليين الذين لا يمثلون أغلبية المجتمع. ويكفي أن هناك محاولات حثيثة للتغريب في مجتمع بني على التشريع الإسلامي، وسيبقى إلى ما شاء الله كذلك.