أجمل هدية لابنك
نشرت جامعة الملك فيصل عبر موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت رأياً إلكترونياً قامت به، وكان السؤال (هل تم اختيارك لتخصصك برغبتك واختيارك؟) وقد شارك في الاستفتاء 3067 مشاركاً، أجاب منهم 40 في المائة بنعم، واختار 7 في المائة (لا فرق عندي)، في حين أجاب 53 في المائة من إجمالي المشاركين بـ (لا على الإطلاق)، أي أن أكثر من نصف طلاب الجامعة لم يقرروا تحديد تخصصاتهم التي يدرسون فيها وهو من القرارات المهمة والمصيرية والتي تمتد أثرها مع الطالب لسنوات طويلة، وقد تركزت تعليقات المشاركين في الاستفتاء في أن هذا الأمر بني على أن هذا القرار كان (أفضل الموجود) أو (لإرضاء أهلي) أو (هذا هو المتاح) أو غيرها من الأعذار الأخرى.
لم أستغرب هذه التعليقات فقد كنت أعمل أثناء دراستي الجامعية في عمادة القبول والتسجيل بنظام الساعات (حيث كان يتاح للطالب الجامعي أن يعمل داخل الجامعة في أحد مرافقها بنظام الأجر بالساعة) وكان عملي في مكتب القبول وكان التقديم للقبول في الكليات يتم عن طريق شبابيك في صالات القبول وكنت أتسلم الملفات من مدير القبول وأشاهد كيف يقوم الطلاب بتحديد مستقبلهم الدراسي وكان كثير منهم عندما يأتي دوره يضع اختيار كلية الطب فيتم إفادته بأن هذا الاختيار غير موجود ويجب تحديد كلية أخرى فيحدد كلية الهندسة فيتم إفادته بأن هذا الاختيار أيضاً غير متوافر فيسأل الطالب ما المتوافر؟ فيجاب عليه المتوافر ثلاث كليات: إما علوم أرض أو علوم بحار أو أرصاد ويجب أن تختار بسرعة حيث خلفك الطلاب ينتظرون وكنت أرى بعض الطلاب يلتف إلى زميله ويسأله ما رأيك فيقول له اختر علوم البحار فهي فرصة أن نتمشى كل يوم، وهكذا كان بعض الطلاب يحدد مستقبله الدراسي في ظل ما كان متوافراً من أنظمة للقبول في السابق، ويبدو أن نتائج الاستفتاء التي أظهرتها الجامعة اليوم تؤكد أن الوضع كما هو لم يتغير منذ أكثر من 15 عاما.
ولذلك فإنني أعتقد أن من أهم الهدايا التي يمكن أن نقدمها اليوم لأبنائنا أن نجعلهم يفكرون منذ نشأتهم فيما يريدون أن يتخصصوا فيه وأن ندع لهم حرية الاختيار وفق ميولهم ورغباتهم وقدراتهم وأن ندعم توجههم الذي يتجهون إليه وألا نفرض عليهم شيئاً بل نترك القرار لهم ولكن كل ذلك ينبغي أن يكون في فترات مبكرة بحيث ينشأ الطالب في مراحل التعليم الابتدائية والمتوسطة والثانوية وهو يعرف أنه سيلتحق بتخصص معين وسيركز في مجال معين وسيحرص خلال تلك الفترة على أن ينمي مهاراته وقدراته في هذا المجال حتى يبدع فيه ويصبح من ذوي التخصصات.
لاشك أن المعوقات كثيرة وأن بعض الأنظمة قد لا تساعد على تحقيق هذا الحلم وأن البيئة المتوافرة قد لا تدعم هذا التوجه ولكن لابد أن نعمل جاهدين على أن نساعد أبنائنا في تحديد مستقبلهم منذ الصغر فنحن نعمل على تربيتهم والاهتمام بهم ووضعهم في أفضل المدارس ومتابعتهم دراسياً والتأكد من تفوقهم العلمي وفجأة وهم على أبواب الجامعة نتذكر بأننا لابد أن يحددوا مستقبلهم الدراسي، وهذا ما أكده الاستفتاء فأحد الطلاب تخرج من الثانوية العامة "شرعي" بنسبة 98 في المائة وعندما سأل عن التخصص المطلوب ذلك بأنه يريد أن يكون طبيباً شرعياً فأفاده المرشد أن هذا مستحيل فهذا التخصص يتطلب خريج قسم (علمي) مما قد يضطر البعض إلى أن يعيد دراسة الثانوية العامة وتغيير التخصص وفقد عدد من السنين.
إنها مشكلة أساسية تحتاج منا إلى وقفة جادة من الأطراف كافة سواءً الطالب أو الأسرة أو الجهات التعليمية لمعرفة مستقبل أبنائنا من جانب ولندعم وطننا بكفاءات متميزة ومتخصصة من جانب آخر.