خطاب المليك في قمة الكويت .. وثيقة مرجعية لتعزيز التربية القيمية

منظومة التربية القيمية في أبسط معانيها هي مجموعة من القيم الرئيسة والفرعية المتفاعلة التي تتعلق بمعتقدات الفرد واتجاهاته وقناعاته وتتكون من خلال برامج وأنشطة وفعاليات تربوية داخل أسوار المدرسة أو الجامعة وخارجها عبر وسائل الإعلام أو من خلال الأسرة أو المسجد أو مجموعة الرفاق، بحيث تؤدي إلى تفاعل الفرد بخصائصه البيولوجية والنفسية وبمكونات البيئة والمجتمع العقدية والثقافية والحضارية . وتبرز أهمية هذه المنظومة في أنها تمثل أحكاماً معيارية توجه الفرد وتصرفاته وتعكس أنماط علاقاته وتوجهاته على مستوى مجتمعه المحلي بدءاً من الأسرة وانتهاء بالوطن، وعلى مستوى المجتمع الخارجي وفقا للخلفية الدينية (الأمة الإسلامية) أو العرقية (الأمة العربية) أو الجغرافية (دول مجلس التعاون) التي ينتمي إليها الفرد وصولاً إلى الانتماء البشري أو الكوني.
وعلى الرغم من تعدد تصنيفات المنظومة القيمية التي تصل إلى نحو 20 قيمة رئيسة ونحو 200 قيمة فرعية أو أكثر، إلا أن هناك مجموعة من القيم الرئيسة ممثلة في القيم العقدية، والقيم الشرعية، والقيم الوطنية أو قيم المواطنة، والقيم الإنسانية, التي تشكل عاملا مشتركا للمنظومة القيمية لمختلف الأفراد والمجتمعات حول العالم من حيث المبدأ مع وجود قدر من التشابه والاختلاف في الجوهر والمضمون طبقاً لدرجة التجانس والتنوع بين الأفراد في المجتمع الواحد، أو بين مجتمع وآخر.
يعتقد عديد من العلماء والمفكرين والتربويين أن القصور في استيعاب المنظومة القيمية أو التهاون في توطينها واستدخالها في البناء التكويني للأفراد والمجتمعات يمثل أحد الأسباب الرئيسة لحالات الاختلال وعدم التوازن المؤدية إلى الخلافات والصراعات والنزاعات على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو المجتمعات أو الدول أو التكتلات العالمية، سواء كان ذلك على مستوى القيادات أو رجل الشارع، أو على المستوى الرسمي أو الشعبي.
ويأتي خطاب المليك المفدى في قمة الكويت أنموذجاً رائدا اشتمل على مضامين المنظومة القيمية بأبعادها الكبرى, وهي العقدية والشرعية والوطنية والإنسانية، الذي شدد ـ حفظه الله ـ فيه على قيم التآخي، ونبذ الخلافات، والدعوة إلى وحدة الصف العربي، والشدة والحزم على الإثم والعدوان، والنصرة للمقاومة، والتعاطف مع المنكوبين، والحوار والتحاور مع الضمير العالمي من أجل استرداد الحقوق الفلسطينية.
لقد جاء خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ مؤثراً وصادقا وقويا ومقنعا دون نفاق أو رياء أو مزايدة، مستنداً إلى الاستشهاد القرآني ملتزما بالنهج النبوي الذي يحث على الإصلاح والنصح والبدء بالنفس أولاً، مستهدفا بذلك مصلحة الأمة ومستشرفا خير البشرية جمعاء ومؤملاً التعايش السلمي بين شعوب العالم على أساس قيم المحبة والعدل والمساواة.
ولئن كان ولا يزال عبد الله بن عبد العزيز رجل الإسلام وصقر العروبة وملك الإنسانية وفقا لما ورد في كلمة رئيس مجلس الشورى، إبان مثوله وزملائه أعضاء مجلس الشورى، لتهنئة المليك المفدى بهذا الخطاب التاريخي، فإن إجابة المليك عن هذه الكلمة صدرت بشكل عفوي وتلقائي لتؤكد أن خطابه في قمة الكويت هو فضل من الله وتوفيقه أولا, وأنه يستمد قوته من أبناء شعبه، ضاربا بذلك أروع الأمثلة لقيمة التوكل على الله بعد أخذ الأسباب (اعقلها وتوكل) وقيمة التواضع لرعيته (كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته).
واستنتاجاً مما سبق عرضه ومن خلال استرجاع سيرة ومسيرة المليك التي تزخر بالشواهد والأمثلة والأدلة على غزارة مخزونه القيمي، يمكن القول إن عبد الله بن عبد العزيز هو أيضاً صاحب منظومة قيمية شامخة قولاً وفعلاً، ينطبق عليه من المنظور التربوي مواصفات القدوة الصالحة.
وفي تقديري أن التهنئة الحقيقية لهذا الإنجاز العظيم، تستوجب على أبناء المجتمع السعودي بمختلف قياداته وقطاعاته, أن تتمثل مضامين المنظومة القيمية الواردة في هذا الخطاب، وأخص بالذكر مؤسسات التنشئة المجتمعية المعنية بالطفولة والشباب وفي مقدمتها المؤسسات التربوية والتعليمية، التي ينبغي أن تسعى إلى تبني هذا الخطاب كوثيقة مرجعية لمشروع تربوي عملاق لتعزيز القيم السلوكية في مدارسنا وجامعاتنا، بحيث يتم في ضوئها بناء مجموعة من البرامج والأنشطة والفعاليات التي تعزز التربية القيمية وتؤصلها في البناء الفكري والمعرفي للناشئة والشباب في المجتمع السعودي على حد سواء، وبحيث تنعكس على سلوكياتهم وتصرفاتهم وعلاقاتهم السوية وتؤهلهم لتحقيق الريادة القيمية عربياً وإسلامياً وعالمياً، ومع العلم أن هناك جهودا في هذا الخصوص على مستوى الوزارات المعنية إلا أنها تفتقر إلى الشمولية وهامشية التأثير في سلوكيات الطلبة, ومن هذا المنطلق فإن إعادة بناء المنظومة القيمية بأسلوب علمي إجرائي ملموس النتائج تمثل المعيار الحقيقي لنجاح المؤسسات التربوية والتعليمية والمؤشر الرئيس على تطورها في المستقبل القريب أو البعيد معا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي