من جمعة إلى الفالح.... دار الصناعة السعودية إلى أين؟
هي سر رفاهيتنا, وسر تقدمنا, وسر أمننا, هي الحبل السري لمملكتنا منذ نشأتها إلى يومنا هذا, فبها ترعرعت مملكتنا في صحراء لم يكن لنا من القدرة على بنائها إلا ما رحم الله, كان لشركة أرامكو الدور الكبير والأهم في استغلال ما أنعم به علينا الرب الكريم سبحانه من خيرات اختزنتها صحارينا, كنز مدفون فُتِح لنا لننهض من بساطة الماضي لنواكب تحديات المستقبل متقدمين على كثير من الدول والشعوب. نجاح شركة أرامكو على مدى العقود السبعة الماضية نجاح تميز بمقدرتها على تطوير وتجديد نفسها وعلى عطائها للدولة فمنها ظهر وزراء وأعضاء في مجلس الشورى وسفراء ومنها ظهر رجال أعمال كانوا يعملون فيها مؤسسين شركات مستقلة عديدة وناجحة. عطاء أرامكو للمملكة عطاء كبير ومستمر ولكن تحدياتها المستقبلية كثيرة من أهمها الحفاظ على هويتها وماهيتها وثقافتها التي خلقت منها منظمة ناجحة يتمنى كثير أن يستفيد من أنموذجها المنظمات والشركات الأخرى في المملكة.
في بداية هذا العام غادر عبد الله جمعة رئاسة أرامكو بعد قيادة ناجحة وموفقة للشركة منذ عام 1995. تميزت فترة قيادته لأرامكو بتغيرات دراماتيكية كبيرة من انخفاض أسعار البترول إلى مستويات متدنية جداً لا مست العشرة دولارات إلى ارتفاعها إلى مستويات تاريخية فاقت مائة وأربعين دولاراً. تعد الإدارة في ظل تقلبات كبيرة مثل هذه دليلا على مقدرته الإدارية على خلق مرونة كبيرة مكنت الشركة من التعامل مع هذه التحديات محافظةً على تميزها في تطوير وتجديد نفسها.
اليوم وبعد أكثر من اثني عشر عاماً من رئاسة عبد الله جمعة تقف أرامكو كأكبر شركة سعودية حققت أعلى نسبة من السعودة وهو ما يفوق 84 في المائة من إجمالي العاملين بها ولكنها في الوقت نفسه لا تزال تحافظ على نسبة كبيرة من التنوع في جنسيات العاملين بها وهو ما يفوق أكثر من 60 جنسية يعملون بها. نعم كثير من العاملين من هذه الجنسيات يعملون في مكاتب أرامكو الدولية ولكنها لا تزال نسبة جيدة للحفاظ على تنوع كوادرها وبالتالي الحفاظ على مقدرتها الإبداعية والتنافسية, وأهم من هذا كله الحفاظ على "ثقافة أرامكو" الإدارية التي كان ولا يزال وسوف يبقى للأجنبي دور مهم وفعال في ثقافتها. مع ارتفاع نسبة السعودة في أرامكو إلا أن كفاءة السعوديين العاملين بها عالية جداً, فهم قادرون على القيام بمشاريع عملاقة, هذا بفضل تزويدهم بمستوى عال من التدريب واستثمار أرامكو في تطوير مهاراتهم وقدراتهم القيادية في برامج تدريبية عديدة وكثير منها يتم في "مدرسة القادة السعوديين"، التي أسستها أرامكو.
من أهم التحديات التي واجهت أرامكو منذ عقودها الأولى تحويلها من شركة منتجة ومصدرة للبترول الخام فقط إلى شركة منتجة ومصنعة ومصدرة للبترول ومشتقاته, فليس من المنطق أن نبيع بترولا خاما بأبخس الأسعار لنشتري مشتقاته بأغلى الأثمان. في هذا الصدد شهدت العشر سنوات الماضية خطوات جيدة في تحديث مصافيها وفي تصميم وتشييد مصاف جديدة واكتساب شركات ومرافق لتصنيع النفط في أطراف متفرقة من العالم. هذا التحدي سوف يستمر في إدارة خالد الفالح, فكلما نجحت أرامكو المستقبل في تحولها هذا نجحت في توسيع نطاقها الصناعي والرفع من استثماراتها الصناعية في المملكة.
في السنوات القليلة الماضية زاد دور إدارة أرامكو في منظمات الدولة الأخرى وهذا شيء قد يقلق البعض في أن يصيبها شيء من العدوى الإدارية المتفشية في القطاع العام مما قد يؤثر في ثقافتها وفي بيئتها الإدارية التي كان ولا يزال للكفاءات السعودية وغير السعودية دور كبير في خلقها وإثرائها. أرامكو خالد الفالح لا بد أن تعمل على حماية ثقافتها وقيمها وأدبياتها وأنموذجها الإداري وحمايته من الضعف والاختلالات الإدارية المزمنة في المحيط السعودي. مع ارتفاع نسبة السعودة إلى هذا المستوى الكبير فإن كثيرين سوف ينتابهم بعض القلق من أن تزيد التكتلات العائلية والقبلية إلى درجة الإخلال بمستوى المحسوبية الجيد الذي عرفت به أرامكو أو الإخلال بالبيئة العادلة التي تتكافأ فيها الفرص وتتوازن فيها المعاملة.
النجاح المستقبلي لخطوات أرامكو سوف يعتمد على نجاحها في الحفاظ على تميزها في حسن التخطيط والتنظيم ومقدرتها على تطوير إبداعها الإداري لتحقيق مزيد من النجاح في مسيرتها ولتعزيز صورتها التي يفخر كثير من السعوديين بها. المستقبل وتحدياته والنجاح في التعامل معه سوف تقارن دائماً بالماضي وإنجازاته الباهرة وبإدارته الفعالة وكفاءاته العالية وعطاءاته وخدماته الاجتماعية المسئولة والمتميزة.