أحقا رئيس المحكمة الإدارية مات؟

حمود عبدالله الحمود

عشرون ساعة فقط تقريبا فصلت بين لقائي الأخير بالشيخ / محمد الزبن رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة الشرقية وبين تلقي هاتفي الجوال رسالة تقول إن الشيخ توفي وسيصلى عليه عصرا في جامع الفرقان بالدمام .
قابلته بالأمس كعادته هاشا باشا يرحب ويصافح من جاءه باهتمام وحسن إصغاء وبتواضع جم يندر وجوده لدى الكثير من المسئولين، قابلته ونحن ننزل سويا من السلم قاصدين الخروج من مبنى المحكمة فسألته عن أمر يختص بالمحكمة، فهز رأسه بابتسامته المعهودة وقال إن شاء الله ووعد خيرا، ثم افترقنا عند باب المحكمة الخارجي كل ذهب لحال سبيله، وهكذا الدنيا تجمعنا بمن نحب ثم تفرق بيننا سهام المنايا .
كان الشيخ كما أسلفت متواضعا نادرا من نوعه، كان يستقبل المراجعين في مكتبه بكل حفاوة وتقدير واحترام ولا يرد أحدا، فإذا دخلت عليه في مكتبه تجد منه كل التبسط في الحديث والعفوية التي تميزه عن غيره، صريح جدا ولم يكن يخفي شيئا يهم المراجع إلا بصره به وأخبره بكل تجرد وشفافية متناهية حتى لو كان الأمر يزعج غيره من المسئولين.
أذكر مرة في قضية كبرى تهم الناس والرأي العام وهي قضية قضايا توظيف الأموال (العيد) فقد كان له رأي يتعارض مع بعض الجهات المعنية وهي أنه يرى أن الجهة المعنية بنظر هذه القضية هي ديوان المظالم (المحكمة الإدارية حاليا) وغيره يرى خلاف ذلك لدرجة أنه جاءه عتاب كيف تخطأ جهة معنية، وهكذا كان الشيخ كعادته صريحا لا يحابي أحدا ويقول للمخطأ أخطئت، علما بأن الذي سيتحمل عبء هذا التوجه من الشيخ رحمه الله هو نفسه والدائرة التابعة له، ومع ذلك رأى هذا الرأي من أجل حل أزمة المتضررين من قضايا توظيف الأموال .
وأما على الصعيد الشخصي فقد كان الشيخ رحمه الله محبوب بين جيرانه وأقاربه يسأل عن من فقده في المسجد من جيرانه ويزورهم في بيوتهم ويهتم بهم. وأما على مستوى العشرة فقد كان الشيخ صاحب طرفه وخفة دم وحسن دعابة يحب النزهات البرية يأنس بها ويسعد معه من رافقه وعرفه وسبر غور شخصيته عن قرب.
عرفت الشيخ منذ أكثر من عشرين سنة بخطبه القوية الرنانة في مسجد الخليل بمدينة العمال بالدمام، حيث كان في وقتها لا يوجد لدينا في الدمام مسجد تسمع خطبة تهز المشاعر وتحرك جذوة الإيمان إلا خطبه مع خطب الشيخ مروان، كان الشيخ محمد يحسن التحضير للخطبة ويخطب بحماس وقوة يجبرك على الإنصات لخطبته وتحثك نفسك بعد خروجك من المسجد أن تحرص على جميع خطبه مستقبلا ولا تفرط فيها .
حضرت مرة أمسية قبل سنة تقريبا في النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية كان الشيخ هو الذي يلقيها، وأعجبني حقيقة بطرحه، وأعجب ما أعجبني كذلك هو تقبله للرأي المخالف حيث كان هناك صحفيين وصحفيات يثيرون بعض الملاحظات على الجهاز القضائي بالمملكة حسب ما يطرح في الصحف من قضايا، ومع ذلك كان الشيخ واثقا يجيب على الأسئلة والمداخلات والملاحظات والانتقادات بكل حجة وإقناع مع أن جزءً كبيرا من الأسئلة لا تتعلق بمرجعه وليست من اختصاص الجهة التابع لها، ومع ذلك انبرى لها وفصل وأسهب وأقنع وشفى غليل السائل .
فرحمك الله رحمة واسعة يا شيخ محمد وأسبغ على قبرك شآبيب الرحمة ورفع ذكرك في الغابرين وأبدلك بأهل خير من أهلك ودار خير من دارك وجبر أهلك في مصيبتهم وأخلفهم خيرا منها. آمين إنك سميع قريب مجيب

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي