مصنع للعاطلين
من أهم الأسس التي تقوم عليها المصانع بمختلف أنواعها وجود حاجة للمنتج في السوق، وإلا سيكون من الهدر أن يتم إنشاء مصنع بالكامل وتعيين موظفين للعمل فيه ثم تقديم منتجات لا حاجة للسوق لها، كما أن عديدا من المصانع في مختلف دول العالم تحرص أيضاً على أن تتأكد من أن المواصفات الموجودة في منتجاتها تتناسب من حيث النوعية والكمية مع احتياجات السوق.
ولدينا أمر مخالف لهذه القاعدة ويمس بشكل مباشر إحدى أهم الركائز الأساسية لاقتصاد الوطن بل وللبنية التحتية، وهو أمر قديم يتجدد يوماً بعد يوم ومازالت جهود إصلاحه دون المستوى المطلوب، ويتلخص هذا الأمر في أن مخرجات التعليم لا تتلاءم مع حاجات سوق العمل، وهذا الأمر لم يعد مثار شك لدى معظم فئات المجتمع بل إن المسؤولين قد اعترفوا بهذا الأمر فقد نشرت إحدى الصحف الأسبوع الماضي تصريحاً لوزير التربية والتعليم يفيد بأن 90 في المائة من مخرجات التعليم لا تتلاءم وحاجات سوق العمل.
وهناك أطراف أخرى تشارك في هذه القضية وهي وزارة التعليم العالي ووزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل وغيرها من الجهات التي لها علاقة بالعمل وجميعهم لديهم عامل مشترك يؤكد أن المخرجات لا تلتقي مع احتياجات سوق العمل، بل إن هناك عديدا من الدراسات التي أجريت منذ عدة سنوات لدراسة معدلات البطالة في الوطن وأسبابها ولم تخل أي منها من توصيات تؤكد أهمية أن تتوافق مخرجات هذه المؤسسات التعليمية مع احتياجات سوق العمل.
عندما تكون هناك مشكلة ولا نعرف سببها فإن هذا الأمر قد يحتاج منا إلى أن نعمل جاهدين إلى أن نعرف أسباب هذه المشكلة ثم نسعى لوضع الحلول المناسبة لها لكن المؤلم في هذه القضية هو أننا منذ عشرات السنين نعلم هذه الحقيقة ونعلم أن هذا المصنع (وزارة التربية والتعليم) بل إن غيرها من المصانع الأخرى (وزارة التعليم العالي، وغيرها من المؤسسات التعليمية والتدريبية ...) لا تتوافق مخرجاتها مع احتياجات سوق العمل أي أننا نعرف المشكلة ومع ذلك ومن عشرات السنين لم نتخذ حلاً لها، ولكم أن تتخيلوا الأجيال التي تتخرج عاماً بعد عام وهم يعانون هذه المشكلة التي تقضي على أجيال بأكملها عبر التاريخ.
إن المؤلم أيضاً في هذه القضية أننا نتعامل معها بشكل تقليدي بل إن كل طرف فيها يتبرأ منها ويدعي أن لا علاقة له بها وأنها لا تخصه بل تخص جهات أخرى وهكذا يتم تحويل القضية من طرف لآخر حتى يمل المتابع ويسلم بالأمر الواقع.
إن هذه المصانع في مجملها وحيث إن إنتاجها لا يتوافق مع سوق العمل فقد أصبحت مصانع لإنتاج العاطلين إذ إن مخرجاتها لن يستفيد منها أحد وبالتالي فإن هذه المخرجات ستغدو عالة على المجتمع وحيث إن هؤلاء العاطلين هم في عمر الشباب ولديهم طاقة كبيرة فسيحرصون على شغل أوقاتهم في أمور قد تضر بأمن هذا الوطن واستقراره.
إن فرص العمل اليوم في القطاع الحكومي أصبحت محدودة للغاية، وفي المقابل فإن فرص العمل في القطاع الخاص وفي ظل الأزمة المالية العالمية لم تعد مثل السابق فهناك عديد من الشركات والمؤسسات قد أعادت مراجعة خططها التوسعية في ظل الأوضاع الجديدة مما أسهم في تقليص فرص العمل المتاحة ولذلك فإن اختيار الكوادر البشرية اليوم سيخضع لمعايير أكثر دقة وصرامة من ذي قبل بل إن التنافس من قبل المرشحين سيكون كبيراً بحيث لن يحصل على الوظيفة إلا من يتمتع بمؤهلات وقدرات متميزة.
إننا في حاجة ماسة إلى أن نتعامل مع هذه القضية بشكل أكثر جدية من ذي قبل ولابد من وقفة من قبل كبار المسؤولين لمعالجة أوضاع هذه المصانع التي تنتج لنا في كل عام عشرات الآلاف من المنتجات التي لا يحتاج إليها سوق العمل فيكون مصيرها إما البقاء في البيوت وإما التسكع في الشوارع.