حين يضرب الجنون بالعاصفة

لم أصدق عيني ما أرى؟ فقد وصلتني صورة هتلر بالإيميل، وتحتها العبارة التالية: لقد كان في وسعي القضاء على كل يهود العالم؟ ولكني تركت بعضهم لتعرفوا لماذا كنت أبيدهم؟
وزعم من نقل الفقرة أنها جاءت في كتابه (كفاحي) وأزعم أنا أنها منحولة مزورة؟! ليس دفاعا عن هتلر؟ ولكن لأنني قرأت الكتاب، وأعرف أنه كتب كتابه المشهور كفاحي Mein Kampf في فترة ما قبل وصوله للسلطة كتبه عام 1924 م مع تجربة انقلابه الفاشلة في ميونيخ في قصة الحانة الشهيرة.
وقصة الحل النهائي التي راجت كثيرا عن خطة التدمير النهائي لكل اليهود في العالم، ورد ذكرها في قصص هملر التي فاحت رائحتها أخيرا، وكتب عنها لونجريش المؤرخ للنازية وبيوجرافي هملر رئيس الجستابو الشرطة السرية النازية.
وحين أرسل لي الدكتور عدنان الصورة مع التعليق المذكور قلت له إياكم ونشر مثل هذه الصور؛ فصراعنا نحن ضد النظام الصهيوني ولسنا ضد اليهود كدين، والله شهد لهم فقال عن كتابه أولم يكفهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل.
أما هتلر فكان نصف مجنون ربع معتوه ثلث شوفيني عنصري بغيض وكامل الإجرام، وحين بدأ باليهود فلن يقف عند اليهود، ولن ينتهي عند أولاد يعقوب؟ فقد قضى على شعوب لانهاية لها، وكان يرى تفريغ الأرض من الشعوب السلافية الوضيعة التي لا تستحق الحياة، وكان قد وضع في نهاية قائمته العرب والزنوج عفوا السود؟!
والله يأمرنا أن نقوم بالقسط وأن نكون شهداء على أنفسنا ولو كان الآخر عدوا، وعشر آيات نزلت في سورة النساء من أجل تبرئة ساحة اليهودي زيد بن السمين اتهم بالسرقة، وكان من سرق أنصاريا اسمه بشير بن أبيرق، ولكنها أيام عربدة الجنون وتطليق العقل.
وأحسن (روجيه جارودي) الذي أنكر قصة الهولوكوست، وضغط الرقم إلى 600 ألف بدل ستة ملايين، تلك التي يزعمها اليهود.
ولكن الرقم لا يعني شيئا بقدر اختراق الحرمة الإنسانية، ولذا اعتبرت الآية التي ختمت صراع ولدي آدم في سورة المائدة، أن من اعتدى على نفس واحدة خرق كل الحرمة الإنسانية, ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا.
وينقل عن ستالين الطاغية أنه كان يقول عن مقتل إنسان أنها تراجيديا، أما مقتل شعب كامل فهي مسألة إحصائية؟! والرجل قتل من أوكرانيا لوحدها 800 ألف إنسان؟ هذا يحكي قصة عربدة وجنون بني آدم.
وحين يقتل من اليهود أو العرب أو الطليان واليونان إنسان واحد فهي جريمة كائنا من كان الفاعل وهي ماحكاها القرآن عن تدافع ولدي آدم؛ فقتل قابيل هابيل ظلما، فكان قابيل من الخاسرين النادمين.
ولم يدافع هابيل عن نفسه فكان من الفائزين في الدنيا والآخرة في أسلوب حل المشكلات في بعدها الأخلاقي الإنساني.
والسياسيون يخططون ويضرمون الحروب، ولكن من يدفع الثمن؟ الأبرياء المساكين.
ويتم الضحك على الأمهات أن أبناءهن في الجنة، وأنهم سقطوا في ميدان الشرف، وكله كذب على الذقون واللحى، وهي صورة جديدة من تقديم القرابين، تلك التي حرمها إبراهيم بالذبيح؛ فاستبدلت بالكبش، ويكررها المسلمون كل عام احتفالا بعيد الأضحى والضحية، وهي ترميز عميق على التوقف عن تقديم قرابين بشرية في الحرب الضروس.
وهل الحرب إلا ما علمتم وليس الحديث عنها بالخبر المكذب، فليس من إنسان في حياته إلا ورأى حربا مجنونة، أو سمع بها أو شارك أو قَتل أو قُتل، وكلها جرائم وجنون الإنسان ألا ساء ما يعملون.. والمجرمون هم في الغالب من فحول الرجال وتنأى المرأة عن هذه الجريمة إلا ما كان من نون النسوة في دخل في آلة قتل الرجال من أمثال ليفي سليلة القتل من أبيها زعيم عصابة الآراجون؟
والبيولوجيا ليست حجة بل الثقافة.
ومن دخل من النساء طريق القتل على خطى الفحول من الرجال فساء سبيلا.
وأول ما تبدأ الحرب فتية كما يقول الشاعر تسعى بزينتها لكل جهول، فإذا حميت واشتد ضرامها أضحت عجوزا غير ذات حليل مكروهة للشم والتقبيل.
إن أبشع الجرائم تفعل في الحرب؛ فليس من قانون بل العودة إلى شريعة الناب والغاب، ومن يقتل تعلق على صدره النياشين ويعتبر بطلا هصورا مقداما شجاعا، ومن كان لا يقتل في معارك صدام المصدوم كانت فرق الإعدام من الخلف تجهز عليه.
وهي رواية ما حدث في خنادق الحرب العالمية الأولى نفسه، عندما بدأ الجنود البريطانيون والألمان يحتفلون بعيد الميلاد، وهم أولاد دين واحد، وهو يوم عيد واحد للطرفين، فكفوا عن الاقتتال بل لعبوا سوية بكرة القدم، حتى أدرك الجنرالات المناحيس، أن روحا من هذا النوع ستوقف سورة جنون الحرب كلية فتدخلوا وأوقفوا هذه الروح وزرعوا من جديد الكراهية والجريمة..
ومثل هذا فعل لينين بالجبهة الروسية؛ فتعانق الروس والألمان وألقوا السلاح، وهو عنوان رواية آرنست همنجواي (وداعا أيها السلاح)، حتى ماتت حبيبته بين يديه مثل عمود بارد من لحم، وأنهى الرجل حياته في النهاية منتحرا بطلقة في الرأس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي