المفكر علي الوردي حين يعري الحقائق!
حين تفتش في الذاكرة الفكرية العربية، لن تخرج بأسماء كثيرة كان لها فكر مستحدث لا فَكراً مستهلكاً، لكن بالتأكيد أن أحد أبرز الأسماء التي ستجدها أمامك المفكر الدكتور علي الوردي.
ما يميّز علي الوردي هو حدّة طرحه - ولو أنّني في البداية لم أستطع تقبّلها لكن مع القراءة المستمرة له أُعجبتُ بها - هو يُعرّي الحقائق حين يكتب، لا يدخل نفسه في مقامات الوصاة والآلهة والأيديولوجيين لكنه في أفكاره يسلخ أفكارا كثيرة لتبقى رؤيته بكل حقائقها وأسبابها ومبرراتها، هو لا يقرر عنك، هو يخبرك كيف قرر، وأنت عليك أن تختار، كأنّه يساعد في صِناعة قدرة عند القارئ على خلق ذهنيته الخاصة.
فوجئت بأنه شيعيّ بعد أن انتهيت من كتاب "مهزلة العقل البشري" على العالم كلّه أن يقرأ هذا الكتاب ليعرف حقاً ماهية "حوار الأديان"، حديثه عن "المنطق" و "المعتقدات" و "الدين" و"الحقيقة" و"الحقيقة المطلقة" فتّح ذهني على أشياء كثيرة ما لم أكن منتبهة لها من قبل! كنت قد دنت بعض التنويهات في مقدمة الكتاب هذه بعضها :
- ملمّ بأمثله من التاريخ العراقي من الناحية السياسية والتراثية والاجتماعية واستشهد به أكثر من أي تاريخ آخر على الرغم من أن الكتاب ليس موجهاً للمجتمع العراقي فقط، وهذا بالتأكيد يعود لكونه عراقيّا بالأصل، ولكن كباحث ومفكر على المستوى العربي كان من الأفضل لو أنه استند إلى أكثر من تاريخ حين لا يتوقف الأمر على تحليل عقلية دولة معيّنة.
- لديه (سكّين) حادة جداً في تسفيه آراء لا يراها منطقيّة، على الرغم من أنه ذكر أسبابه، لكنّه كان حادا جداً في تسفيهه لها، وقرأت في مواضع أخرى عن الكاتب أنّ هذا منهجه وأسلوبه.
أمّا في كتابه "خوارق اللاشعور" فقد أكّد لي فيه أن علي الوردي لا يهتمّ ولا يقرأ في العقل المرتجل للبشر، ولا بالعقل الظاهر، بل بالعقل الباطن، كيف يفكّر؟ كيف يحلّل؟ كيف يستطيع أن يخلق ذهنيته؟ كيف يستنتج الحقائق؟ هو يؤمن بأنّ العقل قادر على التفكيك، ولكنّه بحاجة لأن يقبل التعريات، يعتبر البعض هذا الكتاب ضمن كتب تطوير الذات، ولكنّي أجد هذا الوصف مجحفا في حقّ كتاب كهذا، فهو كتاب عميق جداً يقرأ بمنطق ويفكك ويحلل.
أستطيع أن أجزم بعد قراءاتي له، بأنّ ما جعل المفكر الكبير الدكتور علي الوردي حادّ في آرائه حتى ليبدو في منظر " الساخط " كونه لا يقبل سوى الحقائق ولا يصل إليها سوى بالتعرية، فهم العقل العربي كثيراً حتى فهم أن ما يجعله يتراجع هو ابتعاده عن الحقيقة حين تكون لا تتوافق مع ما يرغبه، أو يخاف منه، على الرغم من مآخذي عليه في طريقته أحياناً بتسفيه آراء، أو في الحديث عن نفسه في مواضع أخرى، ولكني أؤمن بأن علي الوردي أضاف لي الكثير، لا من ناحية التفكير، ولا من ناحية المراجعة، ولا من ناحية الرؤى فحسب، القراءة له على الرغم من أنّها تحتاج إلى رويّه، وتأسيس، إلاّ أنها مجدية وجداً !