الأماني لا توفر المساكن!

توجد في كل مجتمع نسبة من الأسر - تقل أو تكثر - لا تجد المأوى، وإن وجدته فهو إما غير آمن، وإما غير صحي، أو لا يوفر لأفرادها متطلبات معيشتهم اليومية الأساسية. وتظهر مثل هذه الحالات في غالبية المجتمعات، سواء كانت المتطورة منها أو النامية، الغنية منها أو الفقيرة. وعند عرض ونقاش مثل هذه القضايا فإننا نسعى إلى تحديد أساليب المعالجة بموضوعية علمية، بعيداً عن العواطف المجردة، أو المصحوبة بالتفكير السطحي غير المتعمق.
وما دفعني إلى ذكر المقدمة السابقة أني وجدت من خلال التحدث مع بعض المهتمين - من القطاعين الحكومي والخيري - بقضية توفير المساكن للأسر الأشد حاجة والتي لا تستطيع لفقرها توفير المساكن لأنفسها؛ وجدت أنهم - بدافع الحماسة الموجهة بالمشاعر الصادقة لعمل الخير، أو الرغبة في تحقيق العدالة الاجتماعية وعدم التفرقة بين المواطنين - يرغبون في توفير مساكن مماثلة لمساكن الطبقة المتوسطة، وفيها جميع العناصر والمكونات الموجودة في المساكن التي تبنيها الأسر متوسطة الدخل لأنفسها.
وقبل أن أناقش مثل هذه الأفكار أو التوجهات، وعرض تأثيراتها السلبية في ما نرغب جميعاً في العمل على تحقيقه (ألا وهو: توفير المسكن الصحي، والآمن الذي يحقق المتطلبات المعيشية "الأساسية" لكل أسرة سعودية لا تستطيع توفير المسكن لنفسها)؛ أقرر أولاً: أنني لا أعترض على حسن النوايا، ولا على الدوافع العاطفية للعمل – خصوصاً إذا كانت دوافع إيمانية - ولا على الرغبات الصادقة في إيجاد مجتمع متجانس تقل الفروق الاقتصادية بين مواطنيه أو تنعدم ، ولكن هيهات إلى ذلك من سبيل إذا وزنا الأمور بميزان الإمكانيات المالية المتاحة! فالمعادلة المنطقية تقرر أن خدمة ضعف العدد من الأسر الفقيرة بمساكن توفر "فقط" المتطلبات الأساسية لهم؛ أفضل من خدمة نصفهم بمساكن مماثلة لمساكن الأسر متوسطة الدخل، وإن تحسين الوضع السكني لعدد أكبر من الأسر، حتى ولو درجة واحدة إلى الأحسن؛ أفضل من الوصول بعدد قليل من الأسر إلى مساكن مماثلة لمساكن الأسر ذات الدخول المتوسطة. وإن الأسرة التي تسكن في كهف، أو تحت شجرة، أو في "صندقة" من الكرتون أو "الأبلكاش" أو من صفيح التنك، أو تحت خيام مؤقتة؛ سترحب أن تحصل على مسكن آمن مهما بلغ صغره، على أن تنتظر مسكناً مماثلاً لمساكن الآخرين والذي لا يعلم إلا الله متى يمكنها الحصول عليه.
إن توفير المسكن للأسرة الفقيرة يجب أن يكون صحياً، وآمناً، وموفراً للعناصر المعيشية الأساسية، بصفته مسكناً "نواة"؛ ليزول بحصولهم عليه همّ التفكير في توفير المأوى، كما أنه يجب أن يكون قابلاً للنمو والتوسع، ليصبح بذلك دافعاً لهم للعمل على تحسين بيئتهم السكنية بمقدرتهم الذاتية. وأرى أن مسكناً مكوناً من: ثلاث غرف مع دورتي مياه، ومطبخ، وسلّم للوصول إلى السطح والانتفاع به (بمساحة لا تزيد على 100 متر مربع)، وتمكين الأسرة بعد ذلك من إضافة غرف وعناصر جديدة إليه؛ يمكن أن يكون "نواة" و"أساساً" لمسكن يحقق المتطلبات الأساسية للأسرة. وللحديث بقية ـ إن شاء الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي