الرأي العام العالمي وقضية فلسطين
شرح المفكر مالك بن نبي ـ رحمه الله ـ في كتابه "بين الرشاد والتيه" قضايا مصيرية مرت بالدول الإسلامية ودور الاستعمار في استمرارها حتى بعد إعلان استقلالها, وتحدث عن القضية الفلسطينية وكأنه يصف ما هو الآن يكرر نفسه مع اختلاف فقط في الوجوه والظروف التي هي الأسوأ الآن في ظل القرارات والمبادرات التي سمحت بهذا الإجرام أن يكون في عنفوانه طالما هناك دعم لا محدود سواء على مستوى قرارات النقض ضد أي قرار يدين الكيان الصهيوني في مجلس الأمن أو تزويدهم بالأسلحة المتقدمة التي شاهد العالم عبر الفضائيات تجربتها في شهداء غزة. وأكد تقرير أعدته مجموعة البحوث والإعلام حول السلام والأمن (كريب) في بروكسل، ونشر يوم السبت 13 المحرم الحالي، أن غالبية الدول الأوروبية المنتمية للاتحاد الأوروبي مثل: بلجيكا, فرنسا, ألمانيا, ورومانيا, تزود الكيان الصهيوني بالأسلحة والمعدات العسكرية المختلفة وبكميات كبيرة, على الرغم من أن الاتفاقيات الأوروبية تحظر تصدير أي نوع من السلاح للمناطق والدول التي تشهد نزاعات أو توجد في حالة حرب, وهو ما ينطبق على الكيان الصهيوني. الجدير بالذكر أن الدول الأوروبية وخلال الفترة نفسها لم تصدر أي نوع أو كمية من السلاح إلى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية.علما أن الأسلحة التي استخدمت في العدوان على غزة أسلحة بريطانية, حسبما ذكرته صحيفة "جارديان", التي أوضحت أيضا أن منتقدي تصدير أسلحة بريطانية إلى إسرائيل، ومن بينهم أكثر من 100 نائب من الأحزاب السياسية الثلاثة الكبرى، يطالبون بفرض حظر على جميع صادرات الأسلحة البريطانية إليها كيلا تستخدمها الأخيرة في الحرب على غزة. في الوقت نفسه نجد أن هناك إصرارا من وزيرة الخارجية الأمريكية على إغلاق المعابر كيلا تصل أسلحة ولا أي مساعدات إلى المقاومة في غزة! رغم أن هناك أسلحة قادمة من الولايات المتحدة إلى الكيان الصهيوني ستصل في غضون أسبوع أو أقل!
عودة إلى تحليل مالك بن نبي إلى الوضع الذي كانت عليه القضية الفلسطينية عام 1948م فيذكر أن الطريقة التي اتبعها الإنجليز في ذلك العام كانت أكثر وضوحا من الطرق التي عادة يستخدمها الاستعمار في مثل هذه الحالات, فقد جاء انسحاب الجيش البريطاني بترك الميدان للصهيونيين الذين هيأتهم قياداتهم ووحدتهم من أجل القيام بدورهم, بينما القيادات العربية حينذاك غمرت شعوبها بالخطب الرنانة فتمزقت وحدتها, وبدلا من أن تتصرف إلى خلاص الأمة عمدت كل واحدة منها إلى الاستيلاء على جزء من أجزائها. ثم يقول لم يكن من محض المصادفة أن القيادات الصهيونية كانت تتحرك, وتحرك حولها الأشياء والأشخاص طبقا لما تمليه ثقافة حضارة, بينما لم تكن القيادة العربية ترى من الأشياء والأشخاص إلا وسائل لإشباع هواها وحبها للسلطة, أي أنها كانت تخضع سلوكها لما تمليه ثقافة (القوة) التي ربما تنعكس حسب الظروف إلى عقدة (ضعف).
ثم يقول في موقع آخر من تحليلاته عن القضية الفلسطينية إن الأمر الذي ينبغي تسجيله للتاريخ في تلك الأسابيع المشؤومة أن القيادة العربية لم تتخذ أي إجراء يعطل الاطراد السياسي العسكري الذي نتج عن انسحاب الجيش البريطاني. إن تقدير الموقف العسكري فاتهم منذ اللحظة الأولى حتى على جانب الكم, وكما يقول, أي التقدير البسيط لعدد طلقات الرصاص والبنادق وأزرار الأحذية بينما كان يدلهم على خطورة الموقف حتى لو عدوا على الأصابع! أما من الناحية السياسية فقد كانت القيادة العربية تستطيع مثلا أن تعلن في وجه العالم جمهورية فلسطين, إعلانا يوقف الأشياء عند حدها في موسكو وباريس وواشنطن, أو يكشف عن السرائر ويمزق القناع الذي استطاعت به الدول الكبرى لأن تعترف من دون أن تريق ماء وجهها بإسرائيل باسم ديمقراطية مزعومة.
ولكن لأن الرغبات متقاطعة فإن الرصاصات العربية أصبحت تقتل من يطلقها, وطلقات المدافع تعجز المدافع لأنها ليست على القياس!!
الآن ما يحدث في فلسطين, وفي قطاع غزة على وجه الخصوص, صورة أخرى لم يعرفها مالك بن نبي وإن كان قد تنبأ بها في تحليلاته عن ثورة المظلومين على مدى التاريخ.
ما يحدث في غزة نوع من اندلاع المارد الفلسطيني الذي تربي على الآية القرآنية (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقًا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم). كما جاء في مقالة خالد أبو شادي وقوله: ما أجمل هذه الصورة البديعة والتمثيل الرائع، صورة العقد الذي عقده رب العزة ـ جل جلاله ـ بنفسه، وجعل ثمنه ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وسجل كلماته بحروف من نور في الكتب السماوية الثلاثة، وما أشرفه من صك وتوثيق، ووعد ألزم الله به نفسه وجعله حقًّا عليه مبالغة في الفضل منه والكرم وإيناسا لعباده ولطفا بهم، ولا أحد أوفى من صاحب هذا الوعد، فوعد الرب الغائب أقوى من بضاعة كل عبيده الحاضرة.
في الجانب الآخر, هناك أيضا ما يقوم به الكيان الصهيوني تجاه تهيئة أبنائه ليقوموا بهذه المهمة، وأنفق عليهم المال والوقت والجهد، حتى كان هذا الحصاد المر، الذي لا يخفى مطامعه ليس في كسر حماس كما يقولون فقط بل أيضا في الاستيلاء على حقول الغاز على شواطئ غزة, كما جاء في مقالة مايكل تشوسيدوفسكي الأخيرة Michel Chossudovsky.
الفرق بين الفريقين, أن لدى المارد الفلسطيني وعدا إلهيا لا يستطيع فهمه إلا المؤمن وصاحب الرسالة, وما يؤكد هذا الجانب العصي على الفهم ممن لا يرى إلا مستوى القدمين, ما نشر منذ أيام أن هناك تزايداً ملحوظاً في إصابة سكان إسرائيل بأمراض نفسية مختلفة، على رأسها الإصابة بأمراض الاكتئاب، والهلع، وصدمة الحرب، نتيجة استمرار سقوط صواريخ المقاومة الفلسطينية على البلدات والمغتصبات الصهيونية الجنوبية. وإزاء ذلك، قررت السلطات الصهيونية إنشاء مركز جديد للدعم النفسي، وعلاج الأمراض النفسية في مدينة بئر السبع، بعد وصول مدى الصواريخ الفلسطينية إلى قلب تلك المدينة المزدحمة بالسكان!
ولنقارن هذه النتائج بالجرائم الصهيونية على سكان غزة, فإلى اليوم الـ 15 كان عدد الشهداء 854 نصفهم من الأطفال! والجرحى 3681 منهم 400 في حالة خطيرة, والذي يتساقط عليهم هو أطنان من القنابل الفسفورية وأمام مرأى العالم نشاهد المنازل تدك والملاجئ والمستشفيات بل سيارات الإسعاف! و بالطبع الحالة مأساوية في القطاع منذ بدء الحصار إلى كتابة هذه المقالة, ورغم هذا نجد أن قرار مجلس الأمن يساوي بين الجلاد والضحية! ولهذا تحرك الجميع من العالمين العربي والغربي لإيقاف هذا الهولوكست في مظاهرات صاخبة في معظم الدول قيل إنها الأولى من نوعها في تنظيمها وتوحد أهدافها ورفضها هذا العدوان. صوت الرأي العام كان وسيظل أقوى من قرارات الأمم المتحدة المدجنة! وما هو مطلوب, إضافة إلى نصرة أهل غزة معنويا وعمليا, هو تحرك عالمي يطالب بمحاكمة هؤلاء المجرمين وليس فقط الشجب والاستنكار.
اتكاءة الحرف ..
قرأت أن هناك متخصصا فرنسيا في علاج الببغاوات حول منزله في فرنسا إلى مصحة عقلية لاستقبال الببغاوات المريضة نفسيًا, فلديه أكثر من 30 طيراً من الببغاوات المضربة عن الكلام والرافضة للتواصل. ويوضح أن السبب الذي يدفع الببغاء إلى الجنون هو أن الفرنسيين يشترون الببغاء وهو صغير، ويحاولون أن يعلموه الكلام, وبما أن الببغاء يعيش بين الناس، ولم ير في حياته الطيور فإنه يقلد البشر، وعندما يكبر يعرف أنه ليس بآدمي, ولذلك فإنه يصاب بالإحباط والجنون؛ ومن ثم إضرابه عن الكلام. ويعتمد أسلوب لوفيونيز في العلاج على تحديد نظام غذائي للببغاء المريض ليذكره بأنه طير، كما يقوم يوميًا بغسل الببغاوات وإجراء عمليات تدليك لها، ورعايتها. وعقب علاج الببغاوات من الجنون, الذي يستغرق فترات طويلة, فإن لوفيونيز لا يعيدها إلى أصحابها بل إلى حدائق الحيوانات، وذلك كيلا تصاب بالجنون من جديد, لا أدري لماذا تذكرت ما ينشر عن أعداد من الصهاينة ترغب في النزوح من المغتصبات إلى مواطنهم الأولى!