عندما وقعت في مظاهرة فلسطينية..!

يوم الجمعة ما قبل الماضي كنت في طريقي من مطار الملكة علياء في الأردن إلى أحد الفنادق بواسطة سيارة أجرة ينتمي سائقها إلى الجنسية الفلسطينية, وبينما أنا أتأمل شوارع ومباني عمّان وقع السائق في زحام مروري تبين لي أن السبب فيه هو تجمع المئات من الناس في الاستاد الرياضي للتظاهر ضد المجزرة الإسرائيلية في غزة.. حينها طلبت منه التوقف قليلاً حتى يخف الزحام, وأخذت أتابع مشهد الجموع الغاضبة من خلف الزجاج قبل أن أقرر النزول من السيارة لشراء كوب قهوة أو شاي من بائع جائل استغل مع العشرات مثله هذا التجمع لـ(تلقيط الرزق) !
ولا أخفيكم أنني كنت حذراً للغاية في استخدام الكلمات وطريقة نطقها بحيث لا يتبين أني سعودي, ذلك لأن السائق الفلسطيني وعدداً من الأصدقاء الأردنيين نصحوني بالحذر من التعاطي مع الجموع الفلسطينية الغاضبة في الأردن نظراً لوجود فئة منهم يكنون حقداً عظيماً وكراهية عمياء لكل ماهو خليجي بل إن حقدهم هذا يفوق الحقد الذي يكنونه للحكومة الإسرائيلية نفسها!
قد لا تصدقوني إن قلت لكم إن تلك الجموع كانت تهتف بسقوط كل الحكومات الخليجية والعربية أكثر من هتافاتها بسقوط الحكومة الإسرائيلية, وهو ما دعاني عندما عدت لمقعدي في التاكسي إلى الحديث مع السائق الفلسطيني عن مدى تعاطف السعوديين والعرب بشكل عام مع إخوانهم الفلسطينيين وعن أرقام التبرعات الفلكية التي تبرعت بها هذه الشعوب لمساندة الشعب الفلسطيني في محنته, فما كان منه إلا أن التفت إلي قائلاً: "كل هؤلاء المتجمعين هنا يعرفون هذا الأمر جيداً, لكنهم يرددون الهتافات التي سمعوها ممن سبقوهم من القوميين والشيوعيين والمتطرفين الإسلامويين وغيرهم, كما لا يجب أن تصدق أن هؤلاء جميعهم جاءوا إلى هنا من أجل نصرة فلسطينيي غزة, فأغلبهم جاءوا حباً في الفوضى والشغب لا أكثر وبعضهم جاء من أجل أن يحظى بالظهور على شاشات التلفزيون, أنا أعرفهم أكثر منك!".
لم يكن أمامي إلا الصمت بعد جملته الأخيرة التي لايمكنني مناقشته فيها فهو بلاشك يعرفهم أكثر منّي فـ"أهل مكة أدرى بشعابها" كما يقول المثل!
مرت أكثر من ساعة قبل أن أصل للفندق الذي علمت حين سألت عن سبب وجود الحراسة المشددة عليه أن هناك نزلاء من السواح الإسرائيليين يقيمون في بعض غرفه.. وقد كان هذا الأمر غريباً بالنسبة لي وتساءلت وقتها كيف يمكن لإسرائيلي أن يتواجد في قلب عمّان في ظل هذه الأوضاع وبجوار كل هذه الجموع الغاضبة, ألا يُعتبر هذا جنوناً حقيقياً.. لكن حيرتي تبددت تماماً عندما زارني في اليوم نفسه صديق أردني وآخر عراقي استطاعا أن ينتزعاني منها عبر نقاشات مطولة حول الأمر.
كان الصديق العراقي هو المخرج التلفزيوني محمد صلاح الذي عمل لفترة في قناة الجزيرة قبل أن ينتقل لقناة الرافدين ويقرر الإقامة في الأردن, أما الصديق الأردني فهو الأستاذ محمد الخرابشة الرجل المتشبع بطيبة وكرم أهل عمّان..
لقد أثبت لي هذان الصديقان أن الأمور ليست كما تبدو دائماً وليست أيضاً كما يصورها الإعلام العربي في الغالب بعد أن دعياني للتعرف على غالبية السواح الذين قدموا للاحتفال برأس السنة في الأردن دون أن تؤثر فيهم الأحداث الدامية في غزة لأكتشف أن غالبيتهم من الإسرائليين العرب أو مايسمون بـ(عرب 48) وهم بعض الفلسطينيين الذين حصلوا على الجنسية الإسرائيلية وأغلبهم من التجار ورجال الأعمال الذين لاتعني لهم القضية الفلسطينية شيئاً بينما يقتص المواطن العربي في أقاصي الأرض جزءاً من قوته وقوت أطفاله ليتبرع به للشعب الفلسطيني المنتهك ويتم شتمه ولعنه في كل مظاهرة جديدة في مفارقة عجيبة ومخزية في آن واحد!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي