من الكساد العظيم.. إلى الكساد الأعظم! (2)

تقدم القول في مقالة الأسبوع الماضي إن الاقتصاد العالمي انزلق نحو دورة كساد يتوقع لها عديد من المراقبين الاقتصاديين أن تزداد عمقا وسوءا خلال عام 2009. وإن المتفائلين منهم يرون إمكانية بدء التعافي والخروج منها مع نهاية العام الجاري. أما المتشائمون فإنهم يعتقدون أن المسألة أكبر من كونها حالة كساد دورية، بسبب تضافر مجموعة من العوامل تتعلق بهيكل الاقتصاد الأمريكي من ناحية، وبالنسخة الإنجلو ساكسونية للنظام الرأسمالي من ناحية أخرى، الذي منح القطاع المالي حريات مطلقة بلا ضوابط تقريبا بدعوى الحريات وتقليص دور الدولة في الحياة الاقتصادية. ولذلك يخشى البعض أن تتطور الأحداث في الولايات المتحدة إلى ما لا تحمد عقباه. ومن هؤلاء الأمريكي جيرالد كلينت Gerald Celente الذي يدير معهدا متخصصا في بحوث الاتجاهات الاقتصادية، وينظر إليه كواحد من أشهر المشتغلين بالتوقعات الاقتصادية. وهو ممن تأخذ قناة "سي إن إن" الإخبارية رأيهم عندما تريد معرفة الاتجاهات الاقتصادية الرئيسة. كما تصفه صحيفة "يو إس إيه تودي" بأنه رجل موهوب. في حين قالت عنه محطة "سي إن بي سي" : ليس هناك من هو أفضل من كلينت في التوقعات، إنه يعرف ما يتحدث عنه. أما صحيفة "وول ستريت" فقالت إن جميع من يهتمون بالتنبؤات الاقتصادية يعتمدون على كلينت وعلى مؤسسته. في حين وصفته صحيفة "أتلانتا جورنال كونستيتيوشن" بأنه واحد من أدق المتنبئين. بينما وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" بأنه رجل متمكن من متابعة الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية والتجارية العالمية ويقدم خدماته للشركات الكبرى.
وللرجل توقعات شهيرة، منها توقعه انفجار أزمة قروض الرهن العقاري الحالية (أزمة مقترضي الدرجة الثانية subprime) قبل عام من انفجارها. كما سبق أن توقع انهيار عملات دول شرق آسيا الناهضة عام 1997م، وتوقع قبلها سقوط الاتحاد السوفياتي. بيد أن كلامه حول مستقبل الاقتصاد الأمريكي اكتسب أهمية خاصة نظرا لخطورته. إذ تناقلت مختلف وسائل الإعلام الأمريكية، وكذلك مواقع عديدة على شبكة المعلومات الدولية، اعتقاده أن أمريكا ستواجه سلسلة من النكبات، منها: موجة هستيرية متتابعة من التخفيضات في سعر صرف الدولار تهوي به لنحو 90 في المائة من قيمته الحالية. ووصول ديون الحكومة الأمريكية وديون القطاع الخاص لمستويات قياسية، وانتشار ظاهرة إفلاس لشركات، وارتفاع معدل البطالة لمستويات غير مسبوقة.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2007 أخبر كلينت وكالة الأسوشيتيد برس أن العالم سيعرف عام 2008 بعام الذعر. مضيفا أن مؤسسات كبيرة ستترنح وتسقط سقوطا مريعا. وهو ما رأيناه مع سقوط "ليمان بروذرز"، و"بير ستيرنز"، وغيرهما. وتحدث الرجل عن ثورة ستحدث في أمريكا - ليس الآن وإنما بعد حين - لكنها في الطريق، وسيظهر حزب ثالث سيصل لحكم البيت الأبيض بدعم من أصحاب المصالح في شارع وول ستريت مع اتجاه الأزمة للأسوأ. وسيكون أول ما سيفعلونه هو إعادة تنظيم الضرائب، لأن الناس لن يصبح لديهم القدرة على تحملها. وستزداد المظاهرات والمشاهد البائسة حيث ينتشر المشردون بشكل لم تعهده أمريكا من قبل.
ويؤكد كلينت أن ذيول أزمة 2008 ستكون أخطر بكثير من ذيول أزمة عام 1929م الشهيرة! وأنه سيكون من نتائج الذعر الذي سيعم الولايات المتحدة، تدهور مستويات معيشة السواد الأعظم من الناس. وهو ما ظهر الآن في شكل تراجع كبير في أرقام مبيعات التجزئة. لكن أخطر توقعاته هو قوله إن الاقتصاد الأمريكي سينهار في غضون أربع سنوات! والرجل لا ينجم ولا يشتغل في التنجيم، ولا يدعي امتلاكه قوى عقلية خارقة. ولكنه يصل لقناعاته من خلال تتبع البيانات وجمع المعلومات. وهو يراهن على أن الأيام المقبلة ستكون مختلفة بشكل جذري ومأساوي عما عرفه الأمريكان من رخاء خلال القرن الأخير.
وكان كلينت قد ذكر لمحطة فوكس نيوز في وقت سابق أن أمريكا لن تصبح في عداد الدول المتطورة بدءا من عام 2012، وتوقع أن تحدث فيها ثورة بسبب اتساع الأوضاع البائسة كنقص الغذاء، والضرائب المرهقة. وستعم المسيرات العمالية في كل مكان، وستمر على الناس أعياد يصبح همهم فيها الحصول على الغذاء لا على الهدايا. وأضاف أن عدم رغبة الناس في تصديق أن البلاد تمر بحالة كساد يوضح كم سيكون وقع الحقيقة مؤلما عليهم حينما يدركونها.
هل يمكن أن تتراجع ثم تنهار إمبراطورية ما بسبب أزمة مالية؟ للحديث صلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي