إن لم تبكوا فتباكوا

في خضم الفاجعة التي تمر بإخواننا في غزة اليوم وفي الوقت الذي يستمر فيه القصف المتواصل على مدار أكثر من عشرة أيام وفي الوقت الذي تجتاح غزة من معظم جهاتها قوات العدو الإسرائيلي, ومع تزايد عدد الشهداء يوماً بعد يوم، وفي ظل المعاناة التي يعيشها إخواننا من نقص في الطعام ومياه الشرب وتدمير للبنية التحتية وقبل ذلك وبعده الخوف والرعب الذي يغشى قطاع غزة منذ أكثر من أسبوع أرى من حولي أوضاعاً لا يمكن أن تصدق, فالبعض يعيش وكأن ما يحدث اليوم في غزة لا علاقة له به، وكأن هؤلاء الذين يتساقطون يوماً بعد يوم هم من كوكب آخر ولا يعنون له أي شيء, والأدهى والأمر من ذلك هو أن تلك الأوضاع لا تقتصر على الأفراد فقط بل تتعدى ذلك لمنظمات بأكملها فهناك قنوات فضائية لا تخجل من عرض حفلات غنائية راقصة طوال الليل في الوقت الذي يقصف فيه سكان غزة بالصواريخ من كل مكان, براً وبحراً وجواً وقنوات أخرى حرصت على أن تتسابق لتغطية افتتاح دورة الخليج العربي ومباريات كرة القدم للمنتخبات الخليجية في الوقت الذي تسابقت فيه قوافل إخواننا الشهداء في غزة إلى المقابر، وهناك وسائل إعلامية أخرى سواءً كانت صحافية أو إذاعية لا تكاد تذكر ما يحدث في غزة من مآس إلا بشكل مقتضب وفي نشرة الأخبار ثم تعود إلى عرض المسلسلات والأفلام وغيرها من البرامج الترفيهية الأخرى, بل إن ما يدعو للأسى والمرارة أن البعض يكاد لم يعرف أصلاً بوجود حرب على غزة ولم يسمع عن المظاهرات التي تحركت في شرق العالم وغربه احتجاجاً على ما يرتكب بحق هذا الشعب من فظائع .
ولعلي أتساءل إن لم توقظ قلوبنا مشاهد القتل والتدمير والقصف لإخواننا فمتى ستستيقظ هذه القلوب؟! وإن لم نشعر بالحزن والأسى ونحن نرى البيوت تقصف وتدمر على رؤوس عوائل بأكملها فيموتون جميعاً فمتى سنحزن؟ وإن لم نبك ونحن نشاهد الأطفال وجثثهم ملقاة في دهاليز المستشفيات, ومن نجا منهم يصرخ من الألم نتيجة فقد أحد أطرافه فمتى سنبكي؟ كيف يهنأ لنا بال وهم يقتلون؟ كيف يطيب لنا طعام وهم جائعون؟ كيف ننعم بالدفء وهم من البرد ينتفضون؟ خاصةً وأنهم قاموا بفتح النوافذ خشية كسر الزجاج من دوي الصواريخ والقذائف؟!
صحيح أنه لا حول لنا ولا قوة، وصحيح أننا لا نملك من أمرنا شيئاً، وصحيح أننا أكثر من ألف مليون ولكننا غثاء كغثاء السيل، ومع كل هذه الحقائق المؤلمة يجب علينا على أقل تقدير أن نظهر أننا متأثرون بما يحدث، يجب علينا على أقل تقدير أن نبدي حزننا وتأثرنا، يجب علينا إن لم نبك من هذه المشاهد المؤلمة أن نتباكى على أقل تقدير وأن ننشر بين المجتمع أن ما يحدث هو إرهاب بمساندة دول كانت تدعي أنها تكافح الإرهاب، وإن لم يحسن البعض الحديث في هذا الكارثة فأولى لهم أن يصمتوا فصمتهم خير.
إننا في حاجة ماسة إلى أن نعيد النظر في أوضاع قلوبنا, بل إن البعض منا يجب أن يتأكد من وجود قلب لديه أساساً فما نشاهده من البعض من تجاهل ولامبالاة يؤكد لنا أن هناك قلوباً قد صدأت وقلوباً أخرى أصبحت كالحجارة وقلوباً قد ماتت فلم تعد تتألم لمشهد أو تأسى لخبر أو تتعاطف مع موقف.
إنني أتساءل ماذا يمكننا أن نقول لأبنائنا إذا سألونا عما يرونه من مشاهد في بعض القنوات بماذا نجيب إذا سألنا لماذا يتألم هذا الطفل؟، ولماذا مات هذا الرجل؟، ولماذا يقصف هذا الشعب؟ هل ياترى لدينا الإجابة ؟ أما أنا فكل ما لدي هو أن أقول لهم ادعوا لهم واسألوا الله أن يعينهم ويثبتهم وينصرهم ويتقبل شهداءهم ويشفي جرحاهم .آمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي