يوم اللبن العالمي
في بادرة غير مسبوقة أعلنت وزارة الصحة في السعودية منذ عامين مضيا اعتزامها تخصيص أول أيام العام الهجري 1/1/1428هـ ليكون موعداً لإطلاق فعاليات "يوم شرب الحليب واللبن"، وأكدت الوزارة في التعميم الصادر عنها ضرورة المشاركة ودعم جهود الوزارة في تثقيف جميع شرائح المجتمع بالأهمية الغذائية للحليب واللبن وتفعيل الحملة الوطنية لمكافحة مرض هشاشة العظام الذي تتبناه الوزارة من أجل الحد من هذا المرض الذي يصيب النساء على وجه الخصوص. ويبدو أنه كان لهذا التوجيه صدى دولي مسموع، حيث أعلنت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة: الفاو FAO وبعد مرور ستة أشهر من هذا التوجيه عن فعاليات يوم "اللبن العالمي" World Milk Day في الأول من حزيران (يونيو) عام 2007، وبعد أن لاحظت المنظمة الدولية أن هناك العديد من دول العالم تبدي اهتماماً متزايداً باللبن كعنصر غذائي وتساند بشدة المنظمة في هذا الأمر، وتأتي على رأس هذه الدول المملكة والصين وإندونيسيا من قارة آسيا، والأرجنتين وشيلي ضمن مجموعة دول أمريكا اللاتينية وأستراليا، إضافة إلى مجموعة دول الاتحاد الأوروبي المنتجة للألبان ومشتقاته الصناعية. ومن أبرز وأهم مظاهر الاحتفالات في هذا اليوم عقد ندوات وعرض منتجات الألبان وزيارات الطلبة والطالبات لمزارع الألبان ومصانعها.
ويحتل اللبن مكانة استراتيجية في اقتصاديات معظم دول العالم لكونه طاقة طبيعية مستدامة، كما أن جميع الدول – دون استثناء – هي دول منتجة للألبان طالما يوجد على أرضها حيوانات ثديية، ومن نافلة القول أن نذكر أن الإنتاج السنوي العالمي يبلغ طبقاً لتقديرات الفاو عام 2007 نحو 680 مليون طن منها 85 في المائة من ألبان الأبقار والباقي لألبان الجاموس والماعز والضأن وغيرها، وهذا يعني أن حصة الفرد من الألبان على المستوى العالمي في حدود 90 كيلوجراما سنوياً، وتقف على رأس الدول المنتجة للألبان الهند 80 مليون طن سنوياً، الولايات المتحدة 75 مليون طن سنوياً، ثم روسيا 37 مليون طن سنوياً، في الوقت الذي يبلغ الإنتاج السنوي لمجموعة دول الاتحاد الأوروبي خلال العام نفسه نحو 120 مليون طن. وفي كل الحالات، فإن حصة الفرد من الألبان تتباين من دولة إلى أخرى، حيث تصل إلى ثلاثة آلاف كيلوجرام في نيوزيلاندا، نحو 500 كيلوجرام في أستراليا وما يقارب 300 كيلوجرام للمواطن في أوكرانيا وبولندا وروسيا، بينما تنخفض إلى ما يقارب حصة المستوى العالمي في الهند وباكستان وغالبية الدول العربية ومجموعة دول الاتحاد الأوروبي، وفي المقابل، فإن هناك دولا تتدنى فيها هذه الحصة دون المعدل العالمي بصورة واضحة، ويأتي على رأسها الصين ومجموعة الدول الإفريقية وغالبية الدول اللاتينية.
وتجدر الإشارة إلى أن القيمة المضافة للبن تتضاعف عدة مرات إذا ما تم تحوله إلى منتج صناعي قابل للتصدير سواء على هيئة لبن بودرة أو زبدة أو جبن أو خلافه، وتبلغ التجارة العالمية للبن ومنتجاته الصناعية ما يزيد على 30 مليار دولار سنوياً. وتعد نيوزيلاندا والولايات المتحدة والأرجنتين وأستراليا وأوكرانيا من أكبر الدول المصدرة لمنتجات الألبان.
وتظهر أهمية اللبن الغذائية باعتباره غذاء عالمياً Global food ومنافساً قوياً لأطعمة الحمية الماكروبيوتك Macrobiotic diet نظراً لاحتوائه على جميع العناصر الرئيسة اللازمة للطاقة والصحة العامة، كما أنه يزيد من القدرة على التحمل، حيث يحتوي اللبن، إضافة إلى المياه (نحو87 في المائة) على مجموعة من الكربوهيدرات اللازمة لتزويد الإنسان بالطاقة، والبروتين العنصر الأساسي لبناء وتجديد عضلات الجسم وخلاياه، خاصة للصغار، والدهون التي تحمي الجهاز العصبي، إضافة إلى نسبة عالية من الفيتامينات المقاومة للأمراض التي تسهم أيضاً في عملية الهضم (فيتامين أ، ب 1، ب 2، ب 6) مع مجموعة من المعادن خاصة الكالسيوم العنصر المهم لصحة العظام والأسنان والفسفور الذي يساعد الخلايا على امتصاص الدهون والكربوهيدرات.. ولا يمكن أن ننسى أن لبن الأم بما يحتويه من أجسام مضادة هو أفضل وسيلة لحماية الرضع من الفيروسات والميكروبات غير المرغوب فيها بما يمنحهم من مناعة صلبة ضد العدوى ويقيهم من الأمراض كالحمى والتيفود وشلل الأطفال، بل ويزيد لبن الأم أيضاً من قدرة وذكاء الأطفال وتمتعهم بمهارات أفضل.
وبصورة عامة، فإن اللبن يلعب دوراً أساسياً في تغطية جانب من السعرات الحرارية اللازمة لنشاط الإنسان. ولقد قدرت حصة الفرد العالمي من السعرات الحرارية من هذا المنتج الغذائي نحو 120 سعرا حراريا/ فرد/ يومياً، وهي تعادل 4 في المائة من إجمالي السعرات الحرارية للغذاء المطلوب للإنسان يومياً. كما أثبتت الدراسات التي أجريت أخيرا من قبل مؤسسة الألبان السويدية أن ما يعادل ثلاثة ديسي لتر (0.3 لتر) من اللبن كافية لاستعادة الطاقة الطبيعية بعد القيام بمجهود شاق، وتم فعلاً الأخذ بهذه التوصية من قبل أكبر لجنة رياضية في السويد وهي اللجنة الأولمبية السويدية SOC Swedish Olympic committee. وفي هذا المجال فإننا لا يمكن أن نتغافل دور ألبان الإبل العربية في شفاء ومعالجة العديد من الأمراض المعوية والاضطرابات الهضمية وإسهامها في حل مشكلات اعتلال الصحة العامة نتيجة تأثير الأنزيمات العالية لهذا النوع من الألبان high enzyme وهذا ما أدى إلى إمداد قاطني الصحارى بالطاقة الطبيعية اللازمة لاستمرارية الحياة في تلك البيئة الصحراوية القاسية.
ولا يسعنا في مناسبة يوم اللبن العالمي إلا أن نتذكر حديث الإسراء في صحيح مسلم حين عرض جبريل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إناء من الخمر وآخر من اللبن وكان اختيار سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لإناء اللبن كرمز (للفطرة) وهي عند أهل اللغة الخِلقة والجِبلَّة، وعند أهل التفسير ملة الإسلام التي خلق الناس عليها، وهذا يعني ببساطة مدى الأهمية النسبية للبن في حياة الإنسان المسلم.