Author

تضخم الاقتصاد السعودي

|
الأسواق المالية، أسواق النفط، الغذاء، العقارات، العمل، التوظيف، الأسعار، القوة الشرائية، الدولار الأمريكي إلى آخره من المصطلحات الاقتصادية التي تشكل في مجملها محاور لا يمكن إغفالها عند الحديث عن التضخم كظاهرة اقتصادية واقعية ناهيك عن توقعات مستقبلية نظرية. يعد التضخم ظاهرة حديثة على اقتصادات الخليج بشكل عام والاقتصاد السعودي بشكل خاص عطفا على ظهورها بشكل ملحوظ ومؤثر مطلع العقد الميلادي الحالي عندما سجلت أسعار النفط، والذي يشكل المورد الرئيس لاقتصادات الخليج، مستويات جديدة مقارنة بالعقد الميلادي الماضي. تعرف الأدبيات الاقتصادية التضخم بأنه الارتفاع المتزايد في أسعار السلع الاستهلاكية. يعد هذا التعريف من أبسط تعاريف التضخم من وجهة نظر المستهلك، كونه يوضح العلاقة العكسية بين أسعار السلع الاستهلاكية وقوة المستهلك الشرائية. تقودنا وجهة النظر هذه من منظور المستهلك إلى وجهة نظر أخرى أكثر شمولية تتمثل في الانعكاسات السلبية على الاقتصاد المحلي من تزايد معدل التضخم. تتمثل هذه النظرة في تأثير زيادة معدل التضخم في عنصري الادخار والاستثمار داخل الاقتصاد المحلي الواحد عطفا على انخفاض نسبة العوائد عليهما. فعندما تنمو الدائرة الاقتصادية داخل الاقتصاد المحلي يصاحب ذلك ارتفاع في أسعار السلع الاستهلاكية عطفا على زيادة الطلب عليها. وعندما تؤثر الدائرة الاقتصادية للاقتصاد المحلي في دائرة الاقتصاد العالمي، تصبح سلبيات التضخم أكثر حدة. لم يكن التضخم ظاهرة اقتصادية تؤرق اقتصادات الخليج حتى مطلع العقد الميلادي الحالي عندما سجلت أسعار النفط مستويات جديدة مقارنة بالعقد الميلادي الماضي. فوصلت أسعار النفط في نهاية 2002 سعر 31.21 دولار أمريكي. ثم واصلت تسجيل أسعار مرتفعة عند 32.50 دولار أمريكي نهاية 2003، وعند 61.06 دولار أمريكي نهاية 2005، وحتى منتصف 2008 عندما سجلت أسعار النفط مستويات تاريخية جديدة. أسهم ارتفاع أسعار النفط خلال الفترة الماضية بشكل إيجابي في زيادة كلا من عائدة النفط ومستوى السيولة النقدية لاقتصادات دول الخليج بشكل عام والاقتصاد السعودي بشكل خاص. انعكس ذلك الإسهام الإيجابي في زيادة المخاوف من زيادة معدلات التضخم عن مستوياته الطبيعية خلال الفترة السابقة. لم تلبث هذه المخاوف حتى تبلورت إلى حقيقة لمستها الشعوب الخليجية خلال الأيام القلية الماضية عندما رسمت معدلات التضخم اتجاهات تصاعدية. فسجل معدل التضخم في الاقتصاد السعودي مستويات حادة بانتقاله من مستوى دون 1 في المائة عام 2004 إلى فوق 10 في المائة عام 2008. وانخفضت معدلات التضخم في اقتصادات الخليج بمنحى مشابه وبوتائر متباينة بعض الشيء، حسب تقارير صندوق النقد الدولي. #2# شكلت مجموعة من التطورات الاقتصادية خلال الفترة الماضية دوافع اقتصادية منطقية لزيادة معدل التضخم في الاقتصاد السعودي بشكل خاص والاقتصادات الخليجية بشكل عام. من أهم هذه التطورات الاقتصادية، أولا، انخفاض قيمة الدولار الأمريكي مقابل العملات الدولية الأخرى، وما نتج عن ذلك من زيادة أسعار الواردات من الأسواق غير الأمريكية. وثانيا، زيادة رواتب الموظفين في اقتصادات الخليج بنسب متباينة، وما نتج عن ذلك من زيادة القوة الشرائية للمستهلك الخليجي. وثالثا، التوسع في مشاريع البنى التحتية، وما نتج عن ذلك من زيادة الطلب على كلا من الموارد البشرية والأراضي الاقتصادية ومواد البناء. ورابعا، الاستئثار بقطاعي الصناعات البترولية والإنشاءات لاستيعاب العائدات النفطية وما نتج عن ذلك من زيادة مستويات السيولة في هذين القطاعين. عملت جميع هذه التطورات بشكل متجانس مع مثيلاتها في الاقتصاد العالمي عطفا على تأثير وتأثر اقتصادات الخليج بالاقتصاد العالمي. حيث ينظر إلى هذه التطورات على الصعيد العالمي على أنها مترابطة بشكل أو بآخر مع تطورات اقتصادات الخليج بشكل عام والاقتصاد السعودي بشكل خاص. و بناء على ذلك تشير مجموعة من وجهات النظر الاقتصادية إلى دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة ركود اقتصادي مع وجود تطورين مهمين في الاقتصاد العالمي. التطور الأول استمرار سلبيات أزمة الرهن العقاري العالمية على مستويات العرض في قطاع العقارات والتمويل المالي. و التطور الثاني تغير موازين قوى العملات العالمية على قوة الدولار الأمريكي بقدوم الحزب الديمقراطي السلطة في الاقتصاد الأمريكي. تعتبر هذه الفترة القليلة القادمة فترة التقاط أنفاس وترتيب أوراق الاقتصادات المتقدمة بما يساعد على الاستعجال يبدأ دورة نمو اقتصاد عالمي جديدة. عديدة هي المحفزات الاقتصادية عندما تأخذ هذه التوقعات العالمية بعين الحسبان عند قراءة مستوى معدلات التضخم للاقتصاد السعودي بشكل خاص والاقتصادات الخليجية بشكل عام. يتوقع أن تحد مستويات التضخم في الاقتصاد السعودي موجتها وتبدأ في اتجاه معاكس قد يستمر خلال العام الميلادي الجديد. من أهم هذه المؤشرات، أولا، توقعات عودة الدولار الأمريكي إلى مستوياته المتقدمة مقارنة بالعملات العالمية الأخرى، وما قد ينتج عن ذلك من انخفاض في أسعار الواردات غير الأمريكية إلى الاقتصاد السعودي بشكل خاص والخليجي بشكل عام. و ثانيا، استمرار زيادة رواتب الموظفين السعوديين حسب زيادة نسبة التضخم، وما قد ينتج عن ذلك من موائمة ناجحة بين القوة الشرائية ومعدل التضخم مقارنة باقتصادات الخليج الأخرى. وثالثا، انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، وما قد ينتج عنه من تراجع مستويات العوائد النفطية وبالتالي مستويات السيولة المتوافرة. ورابعا، توجيه السيولة المتوافرة إلى قطاعات اقتصادية جديدة، وما قد ينتج عن ذلك من تنويع في مشاريع البنية التحتية وبالتالي تباين في العرض والطلب على أنواع المواد الأولية. يتوقع أن تسهم جميع هذه التطورات في عام ميلادي يتسم بفترة التقاط أنفاس وإعادة ترتيب أوراق بما يتوافق والتطورات في موازين قوى الاقتصاد السياسي العالمي مع الأخذ في عين الاعتبار الأوضاع الاقتصادية القائمة على الصعيدين المحلي والإقليمي، والتوجه العالمي نحو الانجذاب لمقومات الاقتصاد الأمريكي.
إنشرها