أسرار علم النفس ومدارسه
عندما تحدث القرآن عن المنافقين وصفهم بأنهم يخدعون أنفسهم وما يشعرون. فعدم الشعور ليس أنه غير موجود بل هو مغيب من الساحة الفوقية الظاهرة ولكنه مختبئ في العمق وهو أعظم عمل وصلت إلى كشفه مدرسة علم النفس التحليلية. وعندما قام (بافلوف) الروسي بتجربته على الكلاب مكتشفاً (المنعكس الشرطي CONDITION REFLEX) لم يخطر في باله أن هذا سينتقل إلى علم النفس الإنساني ونحن نعرف هذا بشكل بسيط أنه مغروس في عضويتنا فعندما تلامس كف أحدنا أو قدمنا شيئاً ساخناً سحبناه عفوياً فهذه أول مظاهر المنعكس المشروط أو الشرطي. وظن فرويد وآدلر ويونج ومن نحا نحوهم أنهم كشفوا الغطاء عن الأسرار الخبيئة في تلافيف النفس الإنسانية ولكن كما يقول القرآن (خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون). وعرف علم النفس أن تضاعيف النفس أعقد بكثير من تركيب الذرة. وهناك عالم ألماني زعم أنه يستطيع تحديد الصفات الخلقية من دراسة الجمجمة وهي المدرسة التي عرفت بالفرينولوجيا وهو قريب مما تحدث به أرسطو قديماً في كتابه عن الفراسة الإنسانية من المظهر الخارجي ولكنهم كانوا في ضلال مبين فالنفس الإنسانية لا تبوح بأسرارها بهذه العجلة. وكان هذا العالم يمرر يده على نتوءات الجمجمة ثم يقول إن هذا الإنسان فيه كذا وكذا ويبدو أنه كان داهية فكان يمزج الخرافة بالعلم. ثم تبخرت هذه الدعاوى بسرعة وتهاوت المدرسة فأتى الله بنيانهم من القواعد وخر عليهم السقف من فوقهم. وكان مصير مدرسة (علم النفس التحليلي) قريب من هذا فتصدعت وظهرت عيوبها خاصة فيما يتعلق بالدافع الأساسي فهذا كان ومازال محيراً للعلماء أنه ما هو الوقود الرئيسي المحرك للإنسان فأما (فرويد) فاعتبره (الغريزة الجنسية) وأما (هوبز) فعزاه إلى الخوف من الموت وأما (آدلر) فقال إنه (التنافس) وأما العالم البريطاني (هادفيلد) فاعتبر أن (المثل الأعلى) هو المنبه المناسب لتحريض الإرادة، ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات. ثم جاءت مدرسة مختلفة عن كل هذا وصمدت لبعض الوقت وهي مدرسة (علم النفس السلوكية) ويعتبر شيخ هذه الطريقة (سكينر) وهو عالم نفس أمريكي وأهم كتاب له ترجم إلى العربية ونشرته سلسلة عالم المعرفة وهو جدير بالقراءة بعنوان (تكنولوجيا السلوك الإنساني) وأصل الكتاب بعنوان (ما بعد الكرامة والحرية) وأنصح القارئ بالصبر على قراءته ففيه أفكار جيدة. وقامت هذه المدرسة بدراسات موسعة على التصرف عند الحيوانات خاصة الحمام والقرود والفئران واعتبرت أن السلوك الإنساني مبرمج مثل الآلات في المجتمع وقالت إن العقل أعمى والكرامة خرافة والإرادة لا تزيد على وهم. ثم مضى مثل الأولين وأصبحت المدرسة للذكرى ولا يعني هذا أن العلم كائن هلامي لا يمكن الإمساك به بل هو ينمو تحت قاعدة (الحذف والإضافة) بمعنى أن كل مدرسة تزعم زعما كبيرا ثم يتهاوى معظمها ويتبقى مايصمد ويصلح تحت القانون القرآني أن الزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس يمكث في الأرض، وكذلك يضرب الله الأمثال.