من حكايات الإدمان الصحفي..!

لي صديقي من إحدى الجنسيات العربية مدمن (صحافة)، وعندما أقول (مدمن) فأنا أعني هذه المفردة تماماً، ذلك لأنه، كما روى لي، عمل طوال سنوات على التخلص من كل شيء في حياته كان يشكل عائقاً بينه وبين حبيبته الأولى وبلاطها!
لقد تخلص من زوجته التي كانت تكره عمله الصحفي وتحاول عرقلته دائماً بسبب غيرتها على زوجها وشعورها بأن حبه الشديد لـ(الصحافة) يتفوق على كل حب آخر، وهو أمر مزعج بالنسبة لزوجة حلمت ذات يوم بأن تحصل على شريك لا يقاسمها إياه أحد!
كما تخلص من وظيفته الرسمية التي لطالما عطلته عن أداء عمله الصحفي، مفضلاً أن يقضي عمره في بلاط صاحبة الجلالة دون أن يشغله عنها أي شيء آخر!
وعلى هذا المنوال استرسل صاحبي في الحديث عن حكايات إدمانه الصحفي الذي بات يشاركه حياته برضا وانسجام تام بينهما، ولأنني رجل شغوف بالاستماع إلى قصص المجانين في كل مجال فقد وجدت في هذا الصديق ضالتي، لدرجة أنني وعدته بالكتابة عنه في هذه الزواية بوصفه ظاهرة صحفية نادرة، لكنه ضحك طويلاً قبل أن يخبرني بأن الأعراض التي يعاني منها لا تخصه وحده بل إن هناك الآلاف من الصحفيين حول العالم يشاركونه نفس الأعراض، ومنهم صحفي لبناني يعرفه شخصياً له من حكايات الإدمان الصحفي ما يجبر أحدنا على الاستلقاء جراء نوبة الضحك التي ستجتاحه إن عرف بعضها، ومنها أنه خرج ذات يوم إلى الشارع يبحث عن سبق صحفي وظل طوال نهاره دون أن يجد ضالته لكنه عاد متأخراً إلى الجريدة التي يعمل بها ليكتب خبراً صحفياً تحت عنوان (أنيميا الأخبار الصحفية تضرب شوارع لبنان)، ولكم أن تتخيلوا فحوى هذا الخبر من عنوانه!
وفي ظل هذه الأنيميا الصحفية اضطر يوماً إلى كتابة خبر صحفي بعنوان (توقعات بزلازل أرضية في لبنان خلال هذا الأسبوع) رغم عدم وجود أي مصدر رسمي يؤكد ما ذهب إليه، بل إن عدداً من الخبراء تسابقوا للاتصال بالصحيفة لنفي صحة الخبر، وهو أمر ساعده على إجراء لقاءات صحفية مطولة معهم، وعند نهاية الأسبوع نشر خبراً بعنوان (نجاة لبنان من زلزال مدمر) وتضمن الخبر مقتطفات من آراء الخبراء وتصريحاتهم ووعداً بنشر اللقاءات كاملة في الأعداد القادمة من الصحيفة!
ولأن الشيء بالشيء يذكر.. تذكرت حكاية الصحفية الأمريكية الشابة "جانيت كوك" التي نشرت تقريراً مؤثراً في صحيفة "واشنطن بوست" عن طفل عمره ثمانية سنوات مدمن للهيروين بسبب قسوة صديق أمه!
وأشارت في تقريرها إلى أن صديق الأم هددها ألا تذكر اسم الطفل ولا أي معلومات عنه وإلا قتلها، ووزعت الصحيفة في ذلك اليوم كما أشارت المصادر نحو 892 ألف نسخة وتفاعل الرأي العام مع القصة، وعرض أحد الأثرياء تبني الولد.. وذكر مسؤول في الشرطة أنه بصدد القبض على صديق الأم .. وحصلت الصحفية الشابة على جائزة بوليتزر في التميز الصحفي عن هذا التقرير في نهاية المطاف.. لكن بعد فترة بدأت تقاريرها عن الطفل تتضارب وتتناقض، فطالبها الرأي العام بالكشف عن اسمه.. وحققت معها الصحيفة لمدة ثماني ساعات انتهت باعترافها بأنها لفقت التقرير تحت ضغط من إدمانها الصحفي!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي