في ذكرى فتاتي عرعر ورفحا!

في مدينة رفحا ودعت (جواهر) وهي فتاة في عمر الزهور زميلاتها شتاء العام الماضي في الطابور الصباحي بمدرستها تحت وطأة البرد الذي لم يستطع جسمها النحيل مقاومته ليقرر الموت اختطافها من بينهن في غمضة عين, وبعدها صعدت روح (مشاعل) إلى بارئها وهي الفتاة التي قتلها البرد في بيتٍ من الصفيح بمدينة عرعر لأن عائلتها لم تستطع توفير أبسط وسائل التدفئة التي كان من الممكن أن تجعلها تصمد أمام موجة البرد التي ضربت مدينتهم!
لا أستطيع أن أنسى هاتين الحادثتين مهما حاولت, وأجزم أن كثيرا منكم مثلي, فما زالت ذكرى جواهر ومشاعل تعيش بيننا صارخةً كل شتاء لتوقظ ضمائرنا التي باتت تشكل ثقلاً على أكتافنا لايمكن لأحدنا تجاوزه إلا بتكرار تلك الصرخات مذكراً بمعاناة أهلنا الفقراء في المنطقة الشمالية وحاجتهم الماسة إلى المساعدات كل شتاء من جميع الجهات التي كُلّفت من قبل ولاة الأمر بذلك, بجانب الجهات التي تغط مسؤوليتها الاجتماعية والوطنية في سبات عميق.
وأولى الصرخات يجب أن توجه إلى وزارة التربية والتعليم مذكرة إياها بأن هناك أخوات وزميلات لـ(جواهر) ما زلن يقفن يومياً في الطوابير الصباحية في هذه الأجواء الباردة التي تشكل خطراً على حياتهن في عددٍ من مدن المنطقة الشمالية وبقية مناطق المملكة, ومن واجب الوزارة الإنساني على الأقل أن تلغي فوراً هذه الطوابير دون أي اشتراطات طوال فترة الشتاء, وألا تترك المسألة خاضعة لأمزجة مديرات المدارس ومديري التعليم, أي أننا بحاجة إلى قرار رسمي يلغى بموجبه الطابور الصباحي في جميع مناطق المملكة من بداية دخول فصل الشتاء وحتى نهايته, كما لابد من إعادة النظر في مواعيد الدوام الرسمي للمدارس في هذا الفصل بحيث يتم تأخيره ليبدأ بعد الثامنة والنصف صباحاً على الأقل مع تعويض ساعات التأخير من فترة ما بعد الظهر حرصاً على حياة أبنائنا وبناتنا, فمواعيد الدوام ليست من المقدسات التي لا يمكن المساس بها, ومن وضعها يمكنه أن يغيرها فكل هذه الأنظمة وضعت من أجل خدمة الإنسان في هذا البلد, ومن المعيب أن يتحول الإنسان إلى خادم لها مجازفاً بحياته في سبيل ذلك!
أما الصرخة الثانية فيجب أن توجه إلى وزارة الشؤون الاجتماعية التي تشرف بدورها على الإعانات الاجتماعية والجمعيات الخيرية العاملة في المناطق الأكثر تضرراً من موجة البرد, مطالبةً بالإعلان عن الإحصاءات الدقيقة التي ترصد بشكل واضح متطلبات الأسر المحتاجة في تلك المناطق على أن يتم الإعلان رسمياً عن هذه الاحصاءات مع دعوة المواطنين والمؤسسات لتغطية الاحتياجات عن طريق التبرعات إن لم تستطع المستودعات والجمعيات الخيرية تغطية الاحتياج كاملاً, وهذا ما أشارت إليه صحيفة "الوطن" السعودية أمس الأول في خبر نشرته عن تقدم مواطني قريتين من قرى منطقة حائل بشكوى من غياب المساعدات الخيرية ليرد عليهم مدير المستودع الخيري بإحداهما موضحاً أنها شكوى كيدية.. أي شكوى كيدية بالله عليكم هذه التي تجبر الناس المساكين على إراقة ماء وجوههم بحثاً عن سد رمق وستر أطفالهم.. وكم (مشاعل) أخرى بين هؤلاء الأطفال يا ترى تتأهب لمغادرة هذا العالم لتأكيد صحة الشكوى؟!
إن في فمي يا سادة يا كرام عشرات الصرخات التي لم تطلق لعدم كفاية هذه المساحة لتحملها, ولكم أنتم أن تصرخوا بها, وتتبعوا الطرق الرسمية في سبيل ذلك, فهناك من يصغي لكم جيداً في هذا الوطن, ويحرص على حفظ حقوقكم وتلبية مطالبكم, بقيادة والدنا جميعاً خادم الحرمين الشريفين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي