حــذاء الأمــة
مشهد قذف الحذاء في وجه الرئيس الأمريكي والذي رآه الملايين حول العالم مشهد تاريخي سيبقى في ذاكرة الناس كما بقيت مشاهد أخرى مثل سقوط بغداد وضرب تمثال صدام بالأحذية والدفاع عن المسجد الأقصى من دخوله من قبل شارون بالأحذية واستشهاد شيخ المجاهدين المقعد على كرسيه بصواريخ العدو وإعدام صدام حسين على حبل المشنقة وغيرها من المشاهد التي حجزت موقعها في قلب التاريخ سواء كانت هذه المشاهد ضد هذه الأمة أو في مصلحتهما.
لم يكن ذلك المشهد عادياً بل كان متميزاً بكل المقاييس سواء كان التوقيت أو المناسبة أو الطريقة أو النتيجة أو حتى ردة الفعل فالتوقيت كان في لحظات الوداع التي عادة لا تنسى والمناسبة هي من أهم المناسبات عالمياً فهي في مؤتمر صحفي يعلن خلاله عن نتائج الاحتلال والطريقة كانت صادرة من القلب بل أكد عليها بالقول وذلك بأسلوب رمي الجمرات فكان يهتف مع كل فردة حذاء يرميها في وجه الرئيس تأكيداّ لما يحمله من مشاعر اتجاهه والنتيجة وإن كانت ظاهرها خاسرة إذ تمكن الرئيس من تجنب الفردتين بمهارة عجيبة ولكن في مضمونها هي إيجابية فلم يصب أحد أو يتضرر إذ إنه لو أوقع هذا الأمر ضرراً فلربما أوجد شيئاً من التعاطف لدى الطرف الآخر فليس القصد هو إلحاق الضرر بقدر ماكان القصد هو الإهانة والتعبير عما يجيش في صدور الملايين، أما ردة الفعل فقد كانت مثاراً للسخرية إذ إنه تم ربطها بالتأكيد على الديمقراطية في هذا الوطن المحتل.
إن أحوال المتكبرين والمتغطرسين واحدة عبر التاريخ فهم مهما حاولوا خداع الناس والكذب عليهم وإيهامهم فإنهم يفضحون في نهاية الطريق، وقد أكد المحتل في بداية احتلاله أن الشعب العراقي سيقوم باستقباله بالورود والزهور وهاهي تودعه ولكنها في هيئة جزم، وكما قام الشعب بضرب تمثال صدام حسين بالأحذية عند سقوط بغداد فهاهم يرمون الأحذية بالأمس في النجف على القوات الأمريكية المحتلة.
لقد جاء الزائر الذي يدعي أن العراق أصبح ديمقراطياً متخفياً في جنح الظلام ليودع حاشيته التي حاولت أن تدافع عنه وليعلن أنه قد أنفق من أجل حريتهم قرابة التريليون دولار وليؤكد أن المستوى الأمني تحسن وغيرها من البشائر التي هي كذب محض واستمرار لمسلسل الجرائم الذي يقدمه المحتل يوماً بعد يوم فالضحايا بالعشرات كل يوم والفقر انتشر في كل مكان والرعب أصبح الشعار الخاص بالعراق والطائفية ظهرت بوجهها القبيح في كل قطر من أقطاره ونهبت الممتلكات ودمرت البنى التحتية وأصبح العراق شبحاً مخيفاً يسيطر عليه جلاد بغيض.
على الرغم من إيماني بأن اللجوء إلى أسلوب العنف ليس الوسيلة الصحيحة للتعبير عما يجيش في الصدر ، وعلى الرغم من قناعتي بأن لكل رئيس مهما صدر منه مكانته الرسمية ولكل صحفي رسالته التي يقدمها وسلاحه الذي يحمله وهو الكلمة الصادقة وليس زوج الحذاء إلا أن قبول هذا الموقف واستحسانه من عامة الناس كان بسبب أن الناس كانوا ينتظرون رؤية خاتمة هذا الرجل في نهاية فترته الرئاسية التي لا أعتقد أن هناك فترة أسوأ منها لرئيس للولايات المتحدة فقد بدأت بتفجيرات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) وقتل الآلاف وانتهت بكارثة اقتصادية عالمية وضعت الاقتصاد العالمي في أسوأ ركود له وبينهما حروب مستعرة في كل مكان وضحايا بالملايين وأشلاء ويتامى وغيرها من مشاهد القتل والدمار.
يجب علينا ألا نتوقف عند هذا المشهد لنقرأ ما تبعه من نكات أو تعليقات ساخرة بل يجب علينا أن نؤمن بأن الشعوب مهما واجهت من ظلم وإذلال واضطهاد فلا يمكن أن تستسلم، وأن الحق يزهق الباطل وإن طال زمان الباطل وأن الأحرار موجودون في كل مكان وهم الأمل الباقي لهذه الأمة ليعيدوا لها مكانتها ويحموا شرفها أما منتظر فلننتظر مصيره أو لندعوا له بالرحمة والمغفرة.