زمن الكتابة بالأحذية!

ضجت الأوساط الإعلامية العالمية عقب حادثة قذف الرئيس الأمريكي (جورج بوش) بنعلي المواطن والإعلامي العراقي الغلبان منتظر الزيدي (29 عاماً) أمام كاميرات المصورين الذين جاءوا من كل مكان ليشهدوا خطاب الوداع الرئاسي , فكان من حظهم أن يشاهدوا قبلة الوداع العراقية أيضاً!
ولأنني رجل غير مهتم بالكتابة السياسة بشكل عام, ولا أفضل أن أتورط فيها في أي يوم من الأيام فقد قررت ألا أتحدث عن الأسباب والدوافع التي تقف خلف انطلاق القذيفة الحذائية المعنية مبرراً أو منتقداً ما حدث, وإنما سأتحدث عن أمر آخر هو ثقافة التعبير عن الرأي بالمقذوفات المختلفة على مستوى العالم وهي ثقافة معروفة ومنتشرة وغير محصورة في بقعة واحدة من بقاع الأرض!
في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي تعرض الفنان الراحل عبد الحليم حافظ للقذف بالبيض والطماطم من قبل مئات المواطنين المصريين في مدينة الإسكندرية عندما كان يغني على المسرح لأول مرة في حياته، وقد تكرر هذا الموقف مع الكثير من الفنانين العرب في بداياتهم كتعبير عن حالة الرفض من قبل الجماهير, وهي كما أشرت مسألة متعلقة بالتعبير عن الرأي!
أما في يوم الثلاثاء 15/10/1421 هـ - الموافق9/1/2001 م فقد تعرض رئيس الوزراء البريطاني توني بلير للهجوم بالطماطم حتى تلطخت سترته في احتجاج على العقوبات المفروضة على العراق، وذلك  أثناء إلقائه كلمة حول سياسات حزبه في مدينة بريستول غرب إنجلترا.
ورغم ذلك واصل بلير التلويح والابتسام للمشاركين في حفل افتتاح كلية جديدة، بينما ألقت الشرطة القبض على الفتاة التي رشقته بالطماطم كما أشارت وسائل الإعلام آنذاك.
طبعاً هناك عديد من الأحداث المشابهة والتي يعبر فيها الناس عن رأيهم بالقذائف تجاه السياسيين والفنانين وحتى لاعبي كرة القدم, لكن المقذوفات تختلف فأحيانا تكون عبارة عن خضراوات فاسدة وأكثرها شهرة الطماطم التي يقام لها مهرجان سنوي في إسبانيا يتقاذف فيه الناس بأطنان منها حتى تسيل بمقذوفاتهم الشوارع, وهناك البيض الذي يحتل مرتبة متقدمة بين المقذوفات الأكثر شهرة وخصوصاً في البلدان العربية (قبل ارتفاع الأسعار طبعاً), وتأتي بعده الأحذية التي تشكل خطراً أكبر على الضحية نظراً لصلابتها خصوصاً إن كانت من فئة (القباقيب) أو (ذوات الكعب الحاد), ولعل ظاهرة امتلاء الملاعب الكروية بالأحذية بعد نهاية بعض المباريات كانت تعتبر الأشهر قبل أن تكتسحها شهرة (الجزمة) العراقية!
ولطالما عبر الفلسطينيون عن رأيهم في وجود قوات الاحتلال الصهيوني على أراضيهم بالقذف بالحجارة حتى أن أطفال فلسطين نُسبوا برمتهم إلى تلك الحجارة.. فلو أخبرت اليوم أحد من عاشوا قبل قرن من الزمن عن اسم (أطفال الحجارة) لتوهم أنهم جاءوا إلى هذا الكوكب نتيجة عملية تلاقح بين الصخور!
وعود على أشهر حذاء في العالم اليوم يجب أن أشير إلى أن صاحبه السيد (منتظر الزيدي) دخل التاريخ العربي من أوسع أبوابه.. وهذا ليس لأنه استغنى عن حذائه مقاس 44 برغبته وخرج بصحبة قوات الأمن حافياً, بل لأنه إعلامي كتب أشهر مقال رأي عربي بحذائه ولم يضطر إلى استخدام القلم أو الكيبورد لايصال وجهة نظره إلى العالم, وكل ما أخشاه أن يفتح هذا الحدث مجالاً لتطور ظاهرة كتابة مقالات الرأي بالأحذية في زمن الحروب والتضخم والأزمات الاقتصادية التي هزت العالم, فكيف بالله عليكم سيتمكن أحدنا من اقتناء حذاء في ظل أوضاع كهذه؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي