جودة الأحياء السكنية والترابط الاجتماعي

يقاس نجاح تصميم الأحياء السكنية بمستوى استجابة فراغاتها العمرانية ومساحاتها المفتوحة لأنشطة سكان الحي الجماعية واحتوائها، ومنحهم الشعور بالراحة والطمأنينة والأمان؛ فالشوارع، وممرات المشاة، والساحات، والحدائق تُعدُّ فراغات عامة مفتوحة ومشتركة لكل سكان الحي، وتشكل أرضية مناسبة للقاءات بينهم، ومزاولة الأنشطة الجماعية للكبار، وتوافر أماكن للعب في أجواء آمنة للصغار. وكلما كان الفراغ مستخدماً من قِبَل السكان كان حيوياً وملائماً وعنصرَ جذبٍ في المجتمع السكني.
ويُعدُّ مستوى جاذبية الفراغات العمرانية والأماكن المفتوحة، وقدرتها على استقطاب مختلف أنشطة سكان الحي الخارجية، واستيعابها، لكلا الجنسين وعلى اختلاف فئاتهم العمرية؛ مؤشراً أساسياً على قياس مدى جودتها. وتتحقق جودة الفراغات المفتوحة في الحي السكني من خلال العناية بجوانب متعددة، منها: التنسيق الجيد للفراغ، والمساحة الكافية لممارسة النشاطات، واختيار الموقع المناسب، وتوفير الصيانة الدائمة.
ومن الاعتبارات المهمة في تصميم الفراغات المفتوحة في الأحياء السكنية العنايةُ بالخصائص البيئية وبوضع المباني المحيطة بها، فالعلاقة بين المباني والفراغات تؤثر بشكل فاعل في المناخ الخاص بالفراغ، وعلى مدى توافر الراحة الحرارية اللازمة لتشجيع السكان على الوجود فيها واستخدامها. ويتأتَّى التأثير الإيجابي على بيئة الفراغات من خلال وضع المباني والأشجار المحيطة بالفراغ وترتيبها وتوجيهها وتحديد ارتفاعاتها بشكل يعمل على التحكم في حركة الهواء، وكمية أشعة الشمس المباشرة وأوقاتها.
ويعتمد جمال الفراغات المفتوحة في الأحياء السكنية على مهارة المُصمم العمراني وقدراته الإبداعية في الوصول إلى حلول متميزة تراعي تحديد مساحة الفراغ، ونسب أبعاده، والكتل البنائية المحيطة به، ونوع المواد المستخدمة فيه وملمسها، والألوان، والنباتات، وتوفير عناصر الفرش الخارجي للفراغات (مثل: الكراسي، والمظلات، وأسبلة مياه الشرب، وسلال النفايات) وتوزيعها بما يناسب النشاطات المتوقعة. كما يسهم تحديد العدد المناسب من المساكن لكل مجموعة سكنية أو مجاورة في إيجاد علاقات اجتماعية وطيدة بين الجيران.
وتكتسب الفراغات المفتوحة في الأحياء السكنية خصوصيتها من تشكيلها الفراغي ومن التحديد السليم لعدد مداخلها ومواقعها، وكلما سهل التنقل على الأقدام داخل الحي ووصول السكان إلى مناطق الأنشطة الخارجية مع توافر الأمان؛ كان ذلك دافعاً لمشاركتهم في الأنشطة الجماعية. ولتحقق ذلك يلزم منع مرور السيارات العابرة من اختراق الأحياء السكنية. ويسهم منع حركة السيارات العابرة للغرباء في تعزيز الإحساس بالأمان وتقويته لدى سكان الحي، وتخفيض مستوى جرائم السرقات في الأحياء، وخفض مخاطر سرعة السيارات وما يصاحبها من "تفحيط" وحركات بهلوانية.
فالإحساس بالأمن في الحي السكني والثقة بتوافره يرتبط بطريقة تصميمه الفراغي؛ فجعلُ حركة المرور مهيأةً من أمام جميع الوحدات السكنية ولكن بسرعة منخفضة يُعدُّ من أفضل المعالجات للرفع من مستوى الأمن في الحي السكني؛ لأنه يمنح السكان شعوراً بحرية وصول المشاة والسيارات وكذلك الشرطة بسرعة منخفضة تمكنهم من التعرف إلى العابرين وتحدُّ من دخول الغرباء. كما أن مزاولة السكان للأنشطة الخارجية تمنحهم فرصة لمراقبة الأنشطة المشتبهة حول الوحدات السكنية، وتسهم بشكل فاعل في الرفع من مستوى أمن الأحياء السكنية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي