ليموزين ومجرم وامرأة!
لاتعرف الجريمة وطناً محدداً ولا جنساً معيناً, فهي سلوك بشري رافق الإنسان منذ وجد على هذا الكوكب, ولا يمكن أن تختفي منه إلا باختفائه .. هذه هي الحقيقة التي حاولت المجتمعات الإنسانية على مر تاريخها ومازالت تحاول أن تغيّرها بالقوانين, والضوابط الأخلاقية والدينية, ومع ذلك تبقى الجريمة ما بقي الإنسان.
وعندما نتحدث عن الجريمة في المجتمعات العربية ومنها مجتمعنا يجب أن ندرك أن الصورة المثالية التي نفترضها لا شعورياً بحكم انتمائنا ليست بالضرورة للواقع, بل هي أقرب إلى الخيال, فنحن كغيرنا من شعوب العالم ننتمي إلى مجتمع بشري لم يكن مجتمعاً ملائكياً في أي يوم من الأيام, كما يجب أن ندرك تماماً أن اعترافنا بوجود الجريمة هو الخطوة الأولى في الطريق الصحيح للتخفيف من نسبتها في المجتمع، وهذا أفضل ما يمكن فعله, فلا يجدر بنا أن نحلم بمدينة أفلاطون الفاضلة لأنها بكل بساطة لم توجد إلا في مخيلة السيد أفلاطون وبقية الحالمين الذين قرأوا عنها وآمنوا بها!
أما المرحلة التي تعقب مرحلة الاعتراف فهي مرحلة البحث عن الأسباب المؤدية إلى الجريمة ومن ثم تفكيكها ومعالجتها بما يتوافق معها سواء كان ذلك بفرض أنظمة تحد من وجود الأسباب مع توعية المجتمع بطبيعة الجريمة ومدى شيوعها ليتنبه الأفراد لوجودها ويحرصوا على ألا يضعوا أنفسهم في دائرة الضحايا.
كتبت ما سبق في ضوء ما يُنشر بين فينة وأخرى عن الجرائم التي ترتكب من قبل بعض سائقي سيارات الأجرة (الليموزين) التي تجوب شوارعنا يومياً, وخصوصاً تلك الجرائم المرتبطة بالاعتداء على الأعراض, وهي جرائم قليلة مقارنة بجرائم أخرى ارتبطت بهؤلاء كتهريب الخادمات من كفلائهن وتسويق الدعارة, وهذا أمر بات معروفاً للكثير من المتابعين، وتشهد على ذلك سجلات الضبط في أقسام الشرطة والبيانات الصحافية التي تصدرها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل مستمر عن مثل هذه القضايا, ولعل آخر ما نشرته الصحافة عن مجرمي الليموزين حادثة الاعتداء على سيدة سعودية وأم لأربعة أطفال من قبل سائق ليموزين في العاصمة الرياض, حيث قالت الضحية بحسب الخبر المنشور بصحيفة "الرياض" بتاريخ 14 ديسمبر2008م "إنها استقلت سيارة ليموزين نظراً لعدم وجود سائق لديها وانشغال أفراد أسرتها لإيصالها للمنزل بعد لقاء مع زميلاتها بأحد المراكز التجارية, وأثناء ركوبها مع قائد الليموزين أخذ طريقاً آخر غير الطريق المؤدي لمنزلها شمال الرياض, وعندما سألته عن السبب قال إنه يريد اختصار المسافة والبعد عن الازدحام المروري, لكن وأثناء انشغالها بمكالمة عبر جوالها أحست بضربة على رأسها أفقدتها الوعي ولم تشعر بنفسها إلا في مخطط فضاء وحاجياتها مبعثرة بجانبها، فمشت حتى وصلت للطريق الرئيسي واستقلت سيارة ليموزين أخرى قدمت بلاغا لمركز الشرطة القريب من منزلها بأوصاف قائد الليموزين الذي ارتكب تلك الجريمة البشعة بحقها على أمل أن يتم القبض عليه عاجلاً".
ولنسأل أنفسنا هنا, لماذا لم تتم توعية هذه السيدة بخطورة أن تستقل سيارة أجرة ليلاً دون أن يرافقها أحد ودون حتى أن تسجل رقم السيارة واسم السائق وتبلغ ذويها بهما قبل أن ترافقه؟ أليس هذا ما يُفترض أن تعرفه أي سيدة مضطرة إلى ذلك؟ ثم لنسأل أنفسنا أيضاً هل كان هذا المجرم سيتجرأ على ارتكاب جريمته وهو يعلم أن بياناته مسجلة لدى ذوي السيدة التي يقلها؟!
ولنختم الأسئلة بالسؤال التالي: ما الجهة المنوط بها توعية أفراد المجتمع بمثل هذه الأمور المهمة جداً, ولماذا لم تضع في كل سيارة أجرة تعليمات يطلع عليها كل من يستقلها تبين الخطوات الواجب اتباعها للمحافظة على سلامته؟! يمكنكم الإجابة الآن!