قتلة مع وقف التنفيذ..!
حكم الشرع الإسلامي على القاتل بالقتل جزاء له على جريمته التي أزهقت نفساً لا يملك الحق في إزهاقها إلا خالقها عز وجل, كما فرض الدية على من ارتكب جريمة القتل بالخطأ, إضافة إلى أنه حرم الاعتداء على الإنسان بأي شكل من الأشكال وأوضح أن العين بالعين والسن بالسن, بجانب فرضه للعقوبات التعزيرية.. كل ذلك في سبيل الحفاظ على حقوق الفرد والمجتمع بشكل عام من المعتدين.
ولأن لكل جريمة طرقا مختلفة لارتكابها ولكل مجرم آلية يتبعها في تنفيذ جريمته, فالاعتداء على الإنسان له طرق متعددة ومنها تسميمه, سواء كان ذلك عن قصد أو غير قصد, فالتسميم إحدى وسائل القتل المعروفة والضاربة بجذورها في التاريخ, وتختلف فاعلية عملية التسميم باختلاف المواد المستخدمة فيها, والتي تبدأ من استخدام السموم المشهورة ولا تنتهي بتقديم أكل متعفن أو غير صالح للاستهلاك الآدمي للضحية, وهذه الأخيرة هي أكثر طرق التسميم شيوعاً في العالم ككل اليوم, وتتم عادة دون استهداف للضحية أي أنها نتيجة للاستهتار بأرواح الناس من قبل بعض معدومي الضمير الذين يصح أن نطلق عليهم اسم (قتلة مع وقف التنفيذ)!
وفي السعودية تبذل فرق المراقبة الصحية جهوداً جبارة في سبيل التأكد من سلامة الطعام الذي تقدمه المطاعم المنتشرة في جميع مدن وقرى المملكة للمواطنين, لكن ومع ذلك يصر بعض أصحاب تلك المطاعم على مخالفة القوانين والاستهتار بأرواح الناس عن طريق عدم توفير البيئة الصحية اللازمة لسلامة الغذاء المقدم في مطاعمهم بجانب عدم التقيد بالاشتراطات الصحية الخاصة بالعمالة التي تعمل لديهم, كما برزت خلال الأيام الماضية ظاهرة خطيرة أشار إليها عدد من وسائل الإعلام تتمثل في تسمم بعض حجاج بيت الله الحرام الذين أتوا من آخر الدنيا محرمين ملبين تحت وطأة جشع ولامبالاة بعض المشرفين على الحملات بعد أن قدموا لهم طعاماً فاسداً دون رادع من ضمير أو أخلاق, وأنا لا أعلم حتى الآن ما العقوبة التي ستطال هؤلاء, وما الذي يمكن أن يعوض المتضررين عما لحق بهم من خلال تلك العقوبة!
إنني وكما أشرت سابقاً أقدر كثيراً الجهود الكبيرة التي تبذلها فرق الرقابة الصحية في جميع مدن المملكة, لكنني لا أعتقد بأي حال من الأحوال أن العقوبات التي تفرض على هؤلاء المستهترين بحياة الناس سواء كانوا من أصحاب المطاعم أو مشرفي الحملات أو غيرهم عقوبات كافية, وآمل أن يعاد النظر فيها بشكل يحفظ حقوق الناس الذين تم تسميمهم بكل برود, حتى إن نجوا بفضل الله, عز وجل, ثم بالتدخل الطبي.
إننا بحاجة ماسة إلى سن قانون عقوبات وتعويضات مختص بجرائم تسميم الناس عن طريق الغذاء, فالمطعم المخالف للاشتراطات الصحية اليوم وحسب النظام المتبع, ستفرض عليه غرامة مالية وربما أغلق إن تطور الأمر, وهذا النظام يكفل الحق العام لكنه بحاجة إلى التطوير بحيث يكفل الحق الخاص لكل من لحق به الضرر.
يجب أن نتعامل مع الموضوع على أنه محاولة قتل بالسم, وليس مخالفة نظامية للاشتراطات الصحية المطلوب توافرها, ولهذا فأنا أوجه نداء للجهات المسؤولة لمراجعة هذه العقوبات في ضوء ذلك وفرض قانون يشتمل على تعويضات مالية تدفعها المطاعم المخالفة لكل متضرر بجانب الغرامة النظامية, كما لا بد أن يشتمل النظام على عقوبات بالسجن لكل (قاتل مع وقف التنفيذ) فهذا ما يستحقه كعقوبة رادعة نتيجة لاستهتاره بأرواح الأبرياء.