نعم لحقوق الإنسان وليس علمنة الإسلام
من تابع جموع الحجاج وهي تنساب في النفرة من عرفات إلى مزدلفة, وتوحد مع الأكف المتضرعة لله ـ سبحانه وتعالي ـ والشفاه تتمتم بحوار خاص ليسمعه خالق الكون, ولا يمنع إطلاقه قوانين الأشخاص ولا تعليمات كهنة الإلحاد الذين يطوفون حول حمى الإسلام يحاربونه تحت شعارات مكشوفة ويعقدون المؤتمرات لإضعافه والنيل منه تساعدهم ثلة من المنافقين والشواذ فكريا, يدرك عظمة هذا الدين وتغلغله في النفوس في مختلف البقاع.
منذ مئات السنين وهذا الدين العظيم يتم التآمر حوله, وما غزوات الصليبيين ببعيدة عن الأذهان سواء الموغلة في تاريخها التي قهرها صلاح الدين, أو الحديثة التي تم الإعلان عنها مع تساقط ركام البرجين المشهورين. قيل يومها (زلة لسان) ولكن المعطيات الاستراتيجية والعسكرية اللاحقة أثبتت مصداقية التوجه للهجوم على هذا الدين من مختلف المنافذ والجهات, وبشتى الوسائل عسكريا أو فكريا أو إعلاميا أو من خلال التلويح بنصوص المواثيق الدولية الانتقائية التي في ظاهرها أنها للحفاظ على حقوق الإنسان والمرأة والطفل وفي ثناياها الولوج إلى عمق التشريعات الإسلامية والعبث فيها أو إلغائها تحت مظلة المنظومة التشريعية العالمية.
في هذه المحاولات نجد الجهود المستمرة لتغيير جوهره ودوره الأساس في بناء الإنسان ثم الأمة، أيضا لتغيير اسمه ووصفه ومظهره, يجردونه من كل أوصاف القدسية والتعظيم، عدا صفة واحدة يحافظون على وصفه بها تحايلاً ومكراً، وهي صفة (التسامح)..! هذه الصفة جوهر ديننا ولكنها لا تعني أن نتسامح أو نقبل أي محاولات أخرى لصفات أخرى تلصق بهذا الدين الرباني النقي الذي هو آخر الأديان ورسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو آخر الأنبياء وحامل رسالته للعالمين.
إن ما تمتلئ به بعض الصحف وما تبثه بعض القنوات من ندوات تتم فيها استضافة الحاقدين على هذا الدين سواء من الغربيين أو من منافقي عالمنا الإسلامي نجد فيها هجوما مكثفا على تشريعاته ونعتها بالتخلف أو التناقض مع مبادئ حقوق الإنسان! وبالطبع المرأة وحقوقها تحتل النصيب الأكبر من هذا الهجوم, حيث تختلط المفاهيم ويتم وصم التشريعات الإسلامية بهفوات تطبيق البشر, وضعف الأحكام القضائية خصوصا في بعض المجتمعات الإسلامية التي تحتكم إلى ما يسمى قانون الأحوال الشخصية, وهو خليط من القوانين الوضعية ونزر يسير من التشريعات الإسلامية. فتظلم النساء في إيفائهن حقوقهن الشرعية, وتتم إحالة جميع هذه السلبيات إلى أنها بسبب التشريعات الإسلامية. والواقع أنها تعود إلى عدم تطبيق هذه التشريعات كما هي في جوهرها الحقيقي. فبدلا من تصحيح آلية تطبيق هذه الأحكام يتم التواطؤ على تبديلها إن لم يتيسر إلغاؤها تحت أي مظلة.
والعمل دؤوب لمهندسي منظومة تحريف الإسلام ابتداء من مؤسسة راند التي تخطط وانتهاء بهذه المؤتمرات التي تعقد سواء في الولايات المتحدة أو في بعض دول أوروبا, أو في بعض مجتمعاتنا العربية والخليجية.
ولأن الإسلام دين التسامح؛ فنجد من يهندسون هذه الشعارات والمؤتمرات يطالبون بأن يتسامح هذا الدين الكامل من الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ مع كل قول مهما كان منكراً، ومع كل فعل مهما كان شاذاً, ومع كل فكر حتى لو كان من أفكار اليسار الشيوعية الملحدة؛ ليكون ما يقال إنه (اليسار الإسلامي)! وسماحة هذا الدين لا بد أن تتآخى وفق مطالبهم الهزيلة مع رأسمالية الغرب الليبرالي تحت اسم (الإسلام الليبرالي) الذي يدعو إلى الإسلام المدني الديمقراطي أو الإسلام العصري.
وكثيراً ما قرأنا في السنوات الأخيرة عن أُطروحات مثل (الإسلام الحضاري).. (الإسلام التنويري).. (الإسلام الإصلاحي).. (الإســلام الوسـطي), وجميع هذه الصفات تنعت الإسلام بصفة كأنها ليست فيه ولا بد أن تتوافر فيه كي يكون دينا (حضاريا)! ولكــن أكثر ما يثير خليطاً من مشاعر الازدراء هو إطلاق الأمريكيين ما سموه: تيار (الإسلام العلماني)!
الذي يتم الترويج له وتعقد بسببه المؤتمرات, ومنها المؤتمر الذي عقد آذار (مارس) 2007 في مدينة بطرسبرج في ولاية فلوريدا الأمريكية تحت اسم (القمة الإسلامية الإصلاحية), أما هدفه المعلن فهو: (تفسير القرآن وصياغة الإسلام من منظور علماني). ونظَّم المؤتمر وموَّله معهد (إنترابرايز) الذي يُعدّ معقلاً فكرياً لتيار المحافظين اليهود الجدد، بالاشتــراك مــع فـرعه في أوروبا المعــروف بـ (المعهد الأوروبي الديمقراطي). أما الحضور فهم خليط من الطوائف الصهيونية الثلاث: صهاينة اليهود، صهاينة النصارى، وصهاينة العرب، وبعض المنافقين ممن ينتمون إلى المجتمعات المسلمة، وقد اعتبر هؤلاء أنهم يمثلون (القمة) التي ستتولى (إصلاح الإسلام)، وتحويله إلى دين عقلانيٍّ يلائم العصـر؛ عصـر العولمة ومحاربة هذا الدين.
وبالطبع من قائمة المتحدثين والمدعوين لن تجد المسلمين الحقيقيين من العلماء أو المفكرين المسلمين, لأن أجندة هذه المؤتمرات لا تقتنع إلا بالمنافقين من المسلمين بالهوية وليس بالعقيدة ممن ـ مع الأسف ـ نجد كتاباتهم ومؤلفاتهم يسمح بنشرها والترويح لأفكارهم دون السماح لمن يملك الحجة كي يناقشهم أو ينشر رأيه كيلا يكون هناك عائق أمام الدور الترويجي الذي يؤمرون بتنفيذه تنفيذا لتوصيات ذلك المؤتمر أو سواه من مؤتمرات همها الأساسي محاربة الدين والمسلمين تحت شعار محاربة الإرهاب, حيث يسوغون لأنفسهم ( إعادة تفسير القرآن من منظور (علماني) كما يقول كبيرهم الذي يعلمهم السحر ويمنح نفسه الحصانة تجاه هذا المنحى الإلحادي إن هذا (أمر مجاز والقرآن حمال أوجه كما يقال حيث توجد تفاسير كثيرة جدا). قيل إن هذا المؤتمر نفذ لإيجاد موقف لدى المفكرين، وليس فقط وجود موقف رسمي، إزاء التحدي الذي يواجه صورة العرب والمسلمين من جانب أقلية تحمل أجندات سياسية وتتخذ من الدين ذريعة لأعمال إجرامية تلون الدين بلونها). وقد نوافق على ما قيل ولكن إقصاء العلماء والمفكرين المسلمين وليس المنافقين ثم استضافة إسرائيليين من الذين يعيثون قتلا وإجراما في إخوتنا في فلسطين لهذا المؤتمر تنفي ما يقال إنه لمحاربة الإرهاب.
إن التوصيات التي خلص إليها هذا المؤتمر الذي أطلق عليه اسم (إعلان بطرسبرج لإصلاح الإسلام)، وأهمها:
1 ـ دعوة الحكومات في العالم الإسلامي إلى عدم التساهل فـي رفـض فكـرة تطبـيق الشـريعة؛ لأن ذلك أهم ما يناقض فكرة (الإسلام العلماني). كما دعا هذه الحكومات إلى عدم تحريم الردة عن الإسلام؛ باعتبارها حرية شخصية.
2 ـ دعوة تلك الحكومات إلى إلغاء (كل القيود) الاجتماعية المأخوذة من الشريعة الإسلامية، وإطلاق الحرية الجنسية، ومنع العقوبات على (جرائم الشرف)، وترك الحرية الكاملة للمرأة في ارتداء ما تشاء من الملابس، وإقامة ما تشاء من العلاقات. وطالب الحكومات بشرعنة الزواج المدني الذي لا يتقيد بأي قيد ديني، وطالبها بالمساواة التامة بين الرجال والنساء في المجالات كافة.
3 ـ دعا المؤتمر إلى توفير الحماية للشاذين جنسيّاً، وإعطائهم من الحقوق ما يُعطَى لكل أقلية، وشدد على تغيير مناهج التعليم بحيث تُلغى كل الفقرات التي تميز المسلم عن غير المسلم، وطالب بتضمين المناهج تقبيحاً لفكرة ربط الدين بالسياسة.
4 ـ الدعوة إلى إطلاق وتشجيع حركة بحثية أكاديمية وفكرية، تملك (الشجاعة) في نقد أصول الإسلام ومصادره المعرفية. وهذه التوصية يتم تنفيذها الآن وجزء منها يتصدر بث بعض القنوات الفضائية!!
إجمالا.. هذه التوصيات نجدها واضحة في معظم النداءات التي تظهر في توصيات جميع المؤتمرات والندوات التي تلت هذا المؤتمر كما كانت أيضا قبله.
لهذا مهم أن يتحد علماء المسلمين للوقوف أمام أي محاولات من هذا النوع وتعميق الوعي لأجندتها, خصوصا لدى الفرد العادي الذي ربما لا يجيد قراءة ثنايا السطور. فما ينشر حولها يجيء مغلفا بعبارات فضفاضة كأنها خدمة للبشر وليس إقصاء لهذا الدين الإسلامي كما جاء في القرآن والسنة من الحياة العامة والخاصة للمجتمعات, أي (علمنة الإسلام).