ثقافة التعويضات في السعودية!

(مافي العوض خير) هذا ما ستسمعه من أي شخص عابر أثناء محاولته مساعدة شخص آخر ارتطم بسيارتك وأنت في أمان الله متسبباً في تدمير جزء منها.. فإن كنت رجلاً طيباً وحساساً ستتنازل وتتحمل الخسارة تأثراً بذلك المثل, أما إن كنت فطناً ومدركاً لقوانين اللعبة فسترد مباشرة بقولك (العوض ولا القطيعة) وأنت بهذا تضرب مثلاً بمثل في معركة قد تنتهي لمصلحة أحدكما بحسب كمية الذخيرة التي تحملانها من الأمثال.
لا شك في أننا نفتقر بشكل عام إلى ثقافة التعويضات السائدة في العالم من حولنا اليوم, فمن النادر أن تجد شخصاً في أي دولة من دول العالم المتحضر يتنازل عن حق من حقوقه أو عن ضرر لحق به دون تعويض مجزٍ.. أكتب هذا بعد أن قرأت قصة الفتاة السعودية روان أبو شادي التي احتجزها مستشفى خاص في المنطقة الغربية لأكثر من 40 يوماً في إحدى غرفه تحت ضغط نفسي رهيب ومنع من الزيارة واضطهاد في المعالمة حتى إن إدارة المستشفى منعت عنها الوجبات الغذائية، واستلام أي غيارات نظيفة لملابسها، وقطعت الاتصال الهاتفي عنها، كل هذا لأن عائلتها لم تستطع توفير المبلغ المطلوب للمستشفى وهو مبلغ تجاوز المائة ألف ريال حسب علمي, ولولا تدخل بعض الجهات لما استطاعت الفتاة الخروج من المستشفى تمشي على قدميها بعد أن تعهد ذووها بتسديد المبلغ الكبير بالنسبة لأوضاعهم المادية!
حسناً.. لو أن عائلة هذه الفتاة المسكينة تقدمت الآن للمحاكم مطالبة المستشفى بتعويض يفوق المبلغ المطلوب لتسببه في الإيذاء النفسي الشديد لابنتهم, ومخالفته للقوانين المتبعة في البلد, وخرقه لمبادئ حقوق الإنسان, ويمكنهم تلخيص التهمة في قضية (اختطاف واحتجاز) فهل تتوقعون يا سادة يا كرام النتيجة؟!
إن مشكلة الناس الطيبين في وطني أنهم لا يعرفون حقوقهم جيداً فبعد كل ما حدث للفتاة المسكينة خرجت من التجربة وهي مدينة بأكثر من مائة ألف ريال دون ذنب اقترفته, فمن المسؤول بالله عليكم عن عدم توعية هذه الفتاة وأقاربها بحقوقها؟!
إن من أشهر القضايا التي تنظرها محاكم العالم يومياً قضايا التعويضات التي تجعل من بعض الفقراء مليونيرات ومن بعض الشركات وبعض الأثرياء أسرى للديون ولا تستغربوا من ذلك أبداً فهذه الظاهرة أفرزت قوافل طويلة من المحامين المتخصصين في قضايا التعويضات فقط, وهناك قصص كثيرة يضرب بها المثل في هذا المجال!
في إحدى دول أوروبا الشرقية رفع عدد كبير من أصحاب المنتجعات السياحية قضية على قناة التلفزيون الرسمية في البلاد بتهمة إظهار تقارير مغلوطة عن الطقس على شاشتها فقد كانت تلك التقارير تحذر الناس من هطول الأمطار في اليوم التالي وتنصحهم بعدم مغادرة منازلهم بينما لاتمطر السماء ولا تخفي أي غيمة عابرة وجه شمس ذلك اليوم وهو أمر تسبب في خسائر كبيرة للمنتجعات السياحية التي طالبت بالتعويض, حتى أن رئيس معهد أحوال الطقس في تلك الدولة تمت إقالته لهذا السبب!
وهناك مواطن من هونج كونج طالب بتعويض بعشرات الملايين من حكومة بلاده لأن فرع شجرة سقط عليه بينما كان يسير في الشارع, أما الأطرف من ذلك فهو مطالبة مواطن مصري (صعيدي) لإحدى شركات المحمول بتعويضه بسبب نكتة أرسلتها لمشتركيها تسخر فيها من الصعايدة وهو ما اعتبره صاحبنا إساءة لتاريخ بلاده وأجداده الفراعنة مطالبا بمعاقبة رئيس مجلس إدارة الشركة بصفته المسؤول عن وصول هذه الرسالة لهاتفه وإلزامه بدفع تعويض مؤقت قدره 51 جنيها!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي