يوم لك ويوم عليك

تغمرك السعادة حين تتسلم مرتبك الشهري فتفاجئ بأنه قد تمت زيادة مرتبك بنسبة 8 في المائة لكن سرورك سرعان ما يتلاشى حين تكتشف أن زميلك في العمل قد تمت زيادة مرتبه 10 في المائة، حيث يلعب مبدأ المقارنة دورا كبيرا في استيعابنا للأمور وتشكيل مفاهيمنا في إدراك المواقف أو صنع القرارات، ولأهمية ذلك فإن مندوبي المبيعات أو أصحاب المكاتب العقارية يستغلون ذلك الأسلوب في دفعنا لاتخاذ قرارات تصب في مصالحهم، ففي حال بحثك عن منزل جديد للاستئجار يعرض عليك أحدهم في البداية منزلا في حالة سيئة يشعرك بالنفور ثم يصحبك إلى الآخر الذي يعلم أنه أكثر جاذبية، ومن المؤكد أن المنزل الثاني ليس خاليا من العيوب لكنه مقارنة بالأول يبدو مثاليا، خاصة حين يلفت المندوب نظرك إلى اتساع مطبخه وجودة التهوية والإضاءة فيه، وإذا أشرت إلى ارتفاع الثمن مقارنة بالمنزل السابق يلوح لك المندوب مهددا من دون تصريح أن هناك نقصا شديدا في توافر منازل بتلك الجودة مما يجعلك تسارع بالتوقيع على العقد دون التأكد من كلامه أو زيادة البحث. أما البائعون في متاجر الألبسة فيقوم تدريبهم للاستفادة من مفهوم "بالنقيض تتميز الأشياء" فإذا كان العميل يستفسر عن بذلة وحذاء يركز البائع على بيع البذلة أولا لأن الزبون إذا دفع ألفي ريال لشراء البذلة فإن 350 ريالا لشراء حذاء يبدو سعرا معقولا جدا، وحين تنفق 2350 ريال على تحسين مظهرك وزيادة أناقتك فلن تبخل على نفسك بـ 150 ريالا فقط لشراء ربطة عنق تناسب البذلة الجديدة.
يستخدم كثير من مديري الأقسام وأصحاب الأعمال هذا الأسلوب للحصول على موافقة أو دعم للمشاريع الكبرى، فحين يضعون اقتراحهم بشأن تطوير مشروع ما في جدول الأعمال يتبعونه دوما بطلب الموافقة على مشروع ضخم ذي ميزانية أكبر جدا، وعندما يقارن أصحاب القرار بين الطلب الأول "الأصلي" والطلب الأكبر "الطعم" يبدو الأول معقولا جدا من حيث الميزانية وتتم الموافقة عليه، ولهذا فإن وسائل الإعلام والأمريكية تحديدا تعزف كثيرا على هذا الوتر في صياغة الصورة الإعلامية لسياسي ما أو إثارة الرأي العام نحو قضية ما، ففي حملة انتخاب الرئيس السابق كلينتون لعب مبدأ المقارنة دورا كبيرا في ترسيخ صورة ذهنية إيجابية عن كلينتون حين كانت الصور تظهره وهو يمارس رياضة العدو بحيوية ونشاط مقارنة بصور أخرى يبدو فيها الرئيس بوش الأب وهو يتهاوى من الإنهاك بعد ممارسته نفس الرياضة.
أما إذا كنت تسعى للحصول على وظيفة فقد يعمل مبدأ المقارنة معك أو ضدك، حيث يلعب تأثير التباين دورا كبيرا في المقابلات الشخصية لطالبي الوظائف، فإذا قامت لجنة التعيين بداية بمقابلة متقدم للوظيفة ذي كفاءات عالية فإنه سيصبح معيارا للحكم على بقية المتقدمين ومن المحتمل أن يمنح المتقدم التالي في المقابلة أقل مما يستحقه، أما إذا كانت البداية - لحسن حظ المتقدمين - بشخص ضعيف الأداء وتلاه متقدم آخر متوسط الأداء فإن لجنة المقابلات ستمنحه تقييما أكبر لحسن حظه بسبب المقارنة بالضعيف، ولهذا فإذا أردت أن تستخدم مبدأ المقارنة في صناعة قراراتك فكن واعيا للمعايير التي تبني عليها مقارناتك وعلى أي أساس قد اخترتها، حيث يظل المعيار نسبيا وليس ثابتا. أما إذا أردت استثمار قوة سحر مبدأ المقارنة في تفاوض ما أو إقناع فابدأ بأن توجد معيارا ترتكز عليه مقاييس الشخص الذي تقوم بإقناعه واحرص على يكون ذكيا وصادقا اعتمادا على القاعدة الفقهية "البيعان بالتراضي" ولا تنس المبدأ الإسلامي "لا ضرر ولا ضرار"، فاستخدام أسلوب المقارنة في المعاملات فخ خطير وهي يوم لك ويوم عليك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي