.. والصلح خير
امتدادا لمقال الأسبوع الماضي والذي أشرت فيه إلى أن من أهم جوانب الإصلاح في العملية القضائية: هو السعي إلى تقليل وصول القضايا إلى القضاء لأن طبيعة القضاء "المنازعات" تحتم طول أمد النظر, ومن ثم تأخر الفصل فيها, ويكون ذلك – أي التقليل - بما يحقق العدالة ويضمن الحقوق, من خلال سن أنظمة وإجراءات وتوفير الميزانيات والكوادر ذات الخبرة في مجالات المفاوضة والصلح وتوفير التجهيزات المناسبة, وعندما أقول بما يحقق العدالة لئلا تلجأ الجهات المعنية لتحقيق هذه الغاية إلى إجراءات فيها ضغط أو ظلم على طرفي المنازعة , من مثل: رفع الرسوم والمصروفات القضائية – كما في بعض الدول التي تأخذ بالرسوم -, أو عرض الصلح بطريقة الإلزام ونحوها من الطرق التي لا تخلو من الظلم لطرفي المنازعة .
في إحصائية غير رسمية في المملكة كانت مكاتب الحقوق المدنية التابعة لوزارة الداخلية تنهي ما يربو على 50 في المائة من القضايا المرفوعة من خلالها, وذلك في المرحلة السابقة لصدور نظام المرافعات الشرعية – قبل عام 1422هـ -, حيث كانت هذه المكاتب تستقبل الدعاوى ومن ثم تعمل على الإصلاح بين الطرفين فإن لم تنته القضايا بالصلح تحال المعاملة إلى المحكمة المختصة -, وبعد صدور نظام المرافعات والذي نص على أن الدعاوى ترفع مباشرة إلى المحاكم بصحيفة الدعوى – وبقدر ما إن هذا الإجراء هو الإجراء العدلي الصحيح- إلا أن عدد القضايا زاد في المحاكم بنسبة كبيرة, وبالتأكيد فهو سيأخذ جزءا كبيرا من جهد القضاة ومعاونيهم, لاسيما أن البعض من الناس يرى أنه في حال أن خصمه أوصله إلى المحكمة فإنه لا يقبل بالصلح والتنازل ويصر على أن يتم الحكم فيها من قبل القضاء, وهو ما لا يحدث في حال كانت الدعوى لدى مكاتب الحقوق .
وعلى كل حال فقد أحسنت وزارة العدل صنعا حين قررت منذ مدة ليست بقصيرة إنشاء مكاتب للصلح في المحاكم, وقد صدر عن المسؤولين فيها الكثير من التصريحات تؤكد العناية بهذه الأقسام والقناعة بدورها, وكان من آخرها تصريح وزير العدل في صحيفة الرياض بتاريخ 29/11/1428هـ , وقد جاء فيه :"... وقد تمكنت المحكمة الجزئية بمكة المكرمة في حل أكثر من ألف قضية عن طريق مكتب الصلح منذ إنشائه وحتى الآن, في حين قامت المحكمة العامة بجدة بحل أكثر من 330معاملة خلال عامي 1428- 1429هـ, بينما كان للمحكمة العامة في مكة والمحكمة الجزئية في الرياض شرف البدء في مجال الإصلاح بتعيينها عدداً من الباحثين الشرعيين من أجل هذا الشأن. وأشار معاليه إلى أن هناك تسارعاً من قبل عديد من المحاكم الأخرى من أجل إنشاء مكاتب الصلح وبيَّن بأن مكاتب الصلح تعرض وتحيل جميع القضايا الإصلاحية إلى القاضي وذلك لتسجيل الصلح وتوثيقه".
وإذا كان الصلح يرد في جميع القضايا ففي رأيي فإن الكثير من القضايا العقارية وبالذات التركات والشراكات يمكن إنهاؤها من خلال الصلح بعد إقناع طرفي النزاع باحتمالية طول مدة التقاضي وتضرر الطرفين من ذلك.
قال الله تعالى: ".. والصلح خير ".