إسرائيل وصناعة الحلفاء.. النموذج التركي (2)
فرضت الاعتبارات الجيوسياسية نفسها على السياسة التركية منذ القدم. فشعبها هاجر إليها من آسيا ليقترب من أوروبا التي لا يفصلها إلا مضيق البوسفور عن تركيا. وفرض التاريخ نفسه على علاقات تركيا بكل من جيرانها الشرقيين وأعدائها الغربيين.
وعبر سبعمائة عام منذ تحقق حلم عثمان كانت الدولة العثمانية هي الصداع الذي أصاب أوروبا سواء عندما كانت قوة غزو مخيفة أو عندما أصبحت الرجل المريض.
واليوم تجد تركيا نفسها في خضم مشاكل المنطقة التي سماها الأمريكيون "الشرق الأوسط" ليتسنى لها ضم عنصرين فاعلين غير عربيين هما تركيا وإسرائيل.
ووضع الولايات المتحدة إزاء الدولتين أشبه بحالة الجدة التي تريد الحفاظ على مصالح الأسرة بتزويج ابن أحد أبنائها ابنة الابن الآخر. وذلك للأسباب التالية:
أولاً: احتواء إيران العدو التاريخي لتركيا والعدو الأهم لإسرائيل.
ثانيا: تحجيم العراق وضمان عدم عودته ليلعب دورا مهما في المنوظمة العربية.
ثالثا: وضع النموذج المطلوب ثقافيا واجتماعيا (دولة علمانية تفتح أبوابها لأمريكا اقتصاديا واستهلاكيا، وتتصدى للإسلاميين).
رابعا: دور كلاب الحراسة المكلفة بالانقضاض على العرب الذي يُجمع الثلاثة (تركيا – إسرائيل – الولايات المتحدة) على عدم الثقة بهم.
خامسا: تخويف الدول العربية وهي تمثل غالبية ما تسميه أمريكا الشرق الأوسط من بطش أهم دولتين إقليميتين خاصة بعد التصرف مع إيران.
وتعلم أمريكا أن الأتراك لا يحبون إسرائيل، ومهما صنعت حكوماتهم فإن الشعب التركي يستنكر البطش الإسرائيلي بالفلسطينيين كما أن الإسرائيليين لا يثقون بأحد، وربما يبحثون الآن عن حام جديد لهم إذا أفل نجم واشنطن. ولذلك فإن السياسة الأمريكية تركز على إقناع كل طرف بأن مصالحه لدى الآخر، فإسرائيل تريد الماء المتوافر لدى تركيا وتركيا تريد السلاح والتقنيات العلمية المتوافرة لدى إسرائيل.
بل إن بعض المحللين يفسرون تأخر اندماج تركيا مع الاتحاد الأوروبي بأنه نتاج ضغوط أمريكية تريد أن يبقى زخم السياسة التركية في منطقة الشرق الأوسط لأن إسرائيل بمفردها لن يمكنها قيادة المنطقة كما تصور مخططو الشرق الأوسط الجديد وعلى رأسهم جورج بوش وولده وشيمون بيريز وخلفاؤه. مما يعني ضرورة تقوية الحلف التركي – الإسرائيلي.
وهنا تجد تركيا نفسها في مأزق، ذلك أن أي تقارب مع إسرائيل يبعدها عن العرب باستثناء من ألقى بأقداره في الكفة الأمريكية، وحتى هؤلاء لن يقبلوا أن يتزعمهم وكيل إقليمي سواء كان مسلما أو يهوديا.
ومما يؤكد أن العلاقات التركية - الإسرائيلية تجاوزت مرحلة التحارب والإرهاصات ودخلت في أعماق الاستراتيجية، استمرار التعاون التركي - الإسرائيلي، حتى عندما تولى الإسلاميون دفة الحكم.
وتدرك إسرائيل أن تركيا لديها مطالب مهمة على رأسها:
أولاً: ابتعاد إسرائيل عن تأييد مطالب الأكراد في أي مكان (العراق – تركيا – إيران – سورية – أذربيجان) بتأسيس كيان لهم. وليس سرا أن إسرائيل كانت الداعم الأكبر للأكراد طوال تمردهم وشنهم الحروب ضد الحكومات العراقية المتعاقبة. وإن الملا مصطفى البرازاني كان له مستشارون إسرائيليون وكان يحصل على السلاح بانتظام من إسرائيل.
ثانياً: رفع الهراوة الغليظة عن ظهور الفلسطينيين لأن استمرار ذلك يحرجها أمام شعب لا يشارك حكومته الرضوخ للمطالب الأمريكية واليهودية.
ثالثا: استجابة إسرائيل لوساطة تركيا واحترام وجهات نظرها حتى تكتسب مكانة أكبر لدى العرب (ونذكر الوساطة التركية بين سورية وإسرائيل).
رابعا: مواصلة الدعم الإعلامي لتنظيف اسم تركيا من ملفات الأرمن واليونانيين إلى جانب مواصلة التعاون في إنتاج الأسلحة.
خامسا: ابتعاد إسرائيل عن شراء الأراضي في كركوك من التركمان والعرب وبعض الأكراد على غرار الأسلوب الذي التهمت به فلسطين.
سادسا: التوقف عن إضعاف العراق باعتبار العراق القوي الموالي للغرب هو خط الدفاع الأول عن إسرائيل وتركيا، ضد أي خطر إيراني.
أما إسرائيل فلها عدة مطالب من تركيا نذكر منها:
أولاً: التعاون في مجال الطاقة خاصة مشروع أنابيب باكو (أذربيجان) إلى جيهان التركي لنقل النفط والغاز من بحر قزوين إلى البحر الأبيض لأن إسرائيل لا تأمن استمرار حصولها على النفط والغاز المصريين كما أنها تريد توصيلها إلى إيلات.
ثانيا: إيقاف تيار الإسلام السياسي الداعم لحماس في تركيا.
ثالثا: تجميل صورة إسرائيل بين الدول الإسلامية التي تعتبر تركيا لاعبا سياسيا فيها.