كل شيء بريالين

تزامنت في بناء مسكني الأخير قبل بضع سنوات مع بناء اثنين من الأصحاب مسكنيهما، ودرجنا خلال تلك الفترة على زيارة مواقع البناء، والاتصال ببعضنا - بشكل مكثف - لتبادل المعلومات والخبرات عن مستوى جودة تنفيذ مقاولي أعمال السباكة والكهرباء واللياسة والعزل والبلاط والدهان وغيرها من أعمال الإنهاء؛ لاختيار الأفضل والتعاقد معه، وكذلك استعراض عناصر البناء ومكوناته, مثل: (الأبواب، النوافذ، وغيرهما)، ومقارنة خصائصها بأسعار الموردين أو المصنعين. وأصبحنا فيما بعد نعقد صفقات توريد المواد والمركبات، أو نتعاقد على أعمال التنفيذ بشكل جماعي للحصول على بعض المميزات أو الحسومات.
في خضم التجربة اقترح علينا أحد الصاحبين الذهاب إلى الصين لزيارة المعرض الصيني للواردات والصادرات (معرض كانتون) في مدينة "قوانشو" أو "جوانزو"؛ للاطلاع على معروضاته من المنتجات الصينية، وعقد بعض الصفقات لاستكمال توريد مكونات البناء والعناصر اللازمة لإكمال تنفيذ مساكننا، مع حرصه بشكل أساسي على شراء كامل أثاث المساكن وتوريده من الصين، فأجبته بكل استغراب: "وماذا تتوقع أن نجد في محال أبو ريالين؟!"، واعترضت على الفكرة، من واقع معايشتي لكثير من مشكلات السلع الصينية الرخيصة والمقلدة والسيئة التي تغزو جميع أسواقنا، التي توجد بشكل مكثف في "معارض كل شيء بريالين". ولكن الصاحب الآخر كان مقتنعاً كذلك بفكرة خوض التجربة الصينية، ولأني المعماري الوحيد في المجموعة بدآ يمارسان عليَّ جميع أشكال الضغوط لمرافقتهما في الرحلة؛ للاستعانة بخبرتي المعمارية، ولتقديم الاستشارات المجانية لهما، فنزلت عند رغبتيهما، ورافقتهما حباً في صحبتهما، ليس أملاً في غنيمة أو مطمع من "أبو ريالين" - لا مؤاخذة، أقصد الصين.
أكملنا متطلبات السفر من الحصول على دعوة لزيارة المعرض من مكتب خدمات صيني، واستخراج تأشيرة السفر، وشراء التذاكر، وحجز المقاعد. وللعلم فإن معرض كانتون يُعقد مرتين في السنة، ويشمل – تقريباً - أجنحة لعرض جميع السلع الاستهلاكية التي تخطر على البال، وأقيم هذه السنة في دورته الرابعة بعد المائة. وبعد الإعداد للسفر رحلنا - على بركة الله - إلى الصين لا "لطلب العلم"، ولكن لطلب الأثاث، ووحدات الإضاءة، ومفاتيح الكهرباء، وإكسسوارات الحمامات وغيرها مما يلزم "لبيت العمر". ووصلنا بحمد الله وسلامته، وبدأنا في زيارة معرض كانتون، والاتصال بالمصنعين، وزيارة مراكز التسوق أو قل مدن التسوق - إذا صح التعبير – التي خصصت كل واحدة منها لصنف من المنتجات بعينه. وهنا تجلت أمامنا الحقائق، وتكشفت عن أعيننا الستر، وظهرت لنا قدرات التنين الصيني الصناعية والاقتصادية. فإذا بنا نقضي يوماً كاملاً لزيارة مدينة متكاملة بشوارعها ومصانعها ومعارضها خصصت للخزف والسراميك والبورسلان وأطقم الحمامات وإكسسواراتها، ونزور في اليوم الثاني مدينة للأثاث، وفي اليوم الثالث مدينة للأدوات الكهربائية. وإذا بنا نكتشف أن الصين تصنع أيضاً منتجات بجودة عالمية (تماثل الأوروبية والأمريكية) ولكن بأقل من نصف التكلفة، وأن الغالبية العظمى من العلامات التجارية العالمية لها مصانع في الصين. فسألت مستغربا:ً أين بضائع "أبو ريالين"؟! فأجابوني هل تقصد سلع الشرق الأوسط؟ إن كنت تقصدها فإن الصينين لا يشترونها ولا يقبلون عليها، وإنها لا تصنع ولا تصدر إلا لكم "فقط"، بناء على طلب تجاركم ومورديكم، وبضمان انعدام أي حماية للمستهلك لديكم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي