مَن يحاسب هذه القناة؟
من المسلمات أنه لا يوجد مستوى من الحب أنقى وأعمق وأقوى من حب كل منا لوالديه، وإن اختلف مستوى هذا الحب من فرد إلى آخر، ولكن القاسم المشترك هو الحب والتعلق ورفض أي مساس بهما من لفظ أو أذى, وحتى الشعور بالألم، نتمنى أن يصيبنا نحن وليس هما، ولن نتهاون في الدفاع عنهما بمختلف الوسائل، وهذه حقيقة لا تحتاج إلى براهين.
إذا انتقلنا إلى مستوى آخر لنتخيل أن هناك موظفا تهجم على رئيسه في العمل بالشتائم والانتقاص منه والسخرية من آرائه، أليس هذا الموقف يعد خروجا عن النسق التنظيمي للمؤسسة الإدارية التي ينتمي إليها كل منهما؟ بالطبع سيغضب المدير وسيحيل هذا الموظف الذي "تطاول عليه في مقر العمل" إلى التحقيق معه وتوقيع العقوبة التي تتناسب ونوعية هذا الشتائم والتطاول، بل إن اللوائح التنظيمية تمنع أي موظف من انتقاد جهة العمل التي يعمل فيها في الصحف والمجلات وجميع هذه الموانع تحمي مكانة هذا المدير.
وإذا انتقلنا إلى مستوى آخر من هذه الشرائح نجد أن هناك دفاعا مستميتا ينشر في الصحف والمجلات لموقف ما اتخذه أحدهم ممن ينتمي إلى بعض التيارات الثقافية التي لا تجد تقبلا عند آخرين! والدفاع غالبا ما يكون عنيفا كلما كان الانتقاد قويا أو لا يتناسب مع الحدث الذي يعتقد كل طرف أن أحدهما مصيب فيه، بينما الآخر يري العكس, وينطلق من هذه النقاشات الصحافية سجال حاد أحيانا يخرج عن حدود ودوائر التهذيب في العبارة إذا لم ينتقل إلى الطعن في النوايا وانتهاك الضمائر, والتلويح باللجوء للقضاء لرد الاعتبار كما يقال، ولست هنا في سبيل الدخول في هذا السجال بين طرف وآخر.
هذه الدوائر تنم عن تحيز كبير نعيشه وتمتلئ به ذوات كل منا تجاه المعتقد الذي يؤمن به والأفكار الجيدة الحسنة التي يرغب نشرها إذا كان فيها الخير للجميع, وإذا كنا على هذا المستوى من التحيز والحب والاحترام لمن لهم مكانة خاصة سواء على المستوى الشخصي كالوالدين أو على المستوى الوظيفي أو على مستوى التصنيف الثقافي والاجتماعي، وهو في الواقع دفاع عن أشخاص ليس لهم تلك القداسة كما هي للأنبياء وحاملي الكتب السماوية, وعن أفكار إذا لم تكن مستمدة من التشريع فهي في خانة القبول أو الرفض, فلماذا كنا منهزمين جدا في الدفاع عن نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما أسيء إلى مكانته من خلال الرسوم المسيئة التي زكمت قصتها أنوفنا ووجدنا للأسف من يمرر ما يتم ترديده أنها "حرية رأي" لا ينبغي انتهاكها! وكيف نقف صفا واحدا من خلال حملة الدفاع عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي عقدت مؤتمرها الثاني في الكويت خلال الفترة من 5 إلى 6 ذو القعدة الموافق 3 و4 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي, ولكن لا نستطيع محاسبة المذيعة التي قدمت برنامجا في قناة "الحرة" تستقبل اتصالا هاتفيا من إحدى المشاركات كي تلعن حبيب الأمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقولها: (ملعون يا سيدتي من قال إنك خلقت من ضلع أعوج. وملعون يا سيدتي من قال إن رضاك في سكوتك) وعندما سئلت من تقصدين تلعثمت ولم ترد، وأنقذتها المذيعة التي لا هم لها سوى مناهضة التشريعات الإسلامية في هذا البرنامج بقولها: (من يمكنه تفسير هذا النص الشعري؟ هذه البذاءة لو قيلت في حق أحد المسؤولين انتقادا لإدارته مثلا ترى هل كان هذا التصرف منها ومن مذيعة هذا البرنامج السيئ سيجد لامبالاة كما حدث مع هذه البذاءات في حق رسول الأمة؟ لم أجد أي كاتب ناقش هذه البذاءة سوى محمد الصويان في جريدة "الرياض" في 24 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي, فإذا كنا إلى حد ما ومن خلال حملة "النصرة" ندافع عن رسولنا الكريم من بذاءات, فلماذا لا نقف صفا واحدا لمحاسبة هذه المذيعة وهذه القناة؟