ميشيل أوباما. . الأم
بعيدا عن التحليلات التي امتلأت بها الصحف والمجلات وقنوات التلفاز عن التحديات التي تواجه الرئيس الجديد لأمريكا، ولا أتحدث هنا عن إعلامنا العربي ولكن إعلامهم هم أصحاب القضية الأساسية الذين أعلن رئيسهم بوش على مدى أعوام ثمانية عجاف الحرب على الإنسانية تحت شعار الحرب على الإرهاب!! وتم تدمير دولتين تدميرا شبه كامل يحتاج إلى عقود كي تستعيدا أمنهما ونموهما
ودعوني أقترب أكثر من الدور النسوي الذي كان مرافقا لأوبا ما خلال حياته، وبالطبع خلال حملته الانتخابية وجنبا إلى جنب لحظة فوزه. إنها زوجته ميشيل أوبا ما تلك القادمة من بيئة فقيرة ولكنها تخطت حواجز الفقر بالإرادة القوية وتحديد الهدف والجدية لتحقيقه. فتخرجت من جامعتين مرموقتين في أمريكا تخصصت في علم الاجتماع من جامعة برينستون ثم بعدها درست القانون وتخرجت من جامعة هارفارد وأصبحت محامية. هذه المرأة التي انتقد البعض الثوب الذي ارتدته عشية الاحتفال بالفوز. وسابقا انتقدوا صراحتها في الحديث عن بعض تصرفات أوباما داخل منزله، وأنه لا يعتني بأين يضع جواربه!! هم هنا تحدثوا عن الصورة الخارجية لها فقط. نسوا أن هذه المرأة ليست عارضة أزياء وليست ممثلة تنتقي عباراتها كي تحظى بالإعجاب. نسوا أنها (أم) بالدرجة الأولى وكانت حريصة كل الحرص على وضع شرطين لزوجها قبل أن توافق على دخوله معترك الانتخابات وهما: أن يتخلى عن التدخين، ثم ألا تحرم ابنتاه من رؤيته على الأقل مرة في الأسبوع. من يقرأ جميع ما كتب عن هذه المرأة التي ستصبح السيدة الأولى في أمريكا، وهو المسمى الذي يطلق على زوجة الرئيس وأصبحت بعض الدول العربية تقلد، وتطلق المسمى نفسه على زوجات الرؤساء!!
وإذا ربطنا بين موضوع دراستها بصفتها متخصصة في علم الاجتماع وحرصها على دراسة موضوع التمييز العنصري هناك و(كيف يتطبع الطلاب السود بالهيكلية الاجتماعية والثقافية للبيض ويبتعدون أكثر فأكثر عن مجتمعهم الأصلي) بدراستها لاحقا القانون لاستطعنا إيجاد روابط قوية بين التخصصين، خصوصا إذا كانت لدى امرأة من نوع ميشيل التي تدرك أن فهمنا المشكلات الاجتماعية سيظل في مستوى إدراكنا فقط إذا لم نقم بأي خطوات لإصلاحها، الذي لا يتم إلا عندما يرتقي هذا الإدراك إلى مستوى الوعي بها ومعرفة جذورها وآثارها السلبية والايجابية. لأن بعض المشكلات هي ذات جوانب إيجابية لشريحة من المنتفعين بها والعكس نجد أن مساحاتها السلبية في المجتمع تسهم في أن تتحول إلى معضلة إذا ما رافق ذلك ركود اقتصادي وتخبط سياسي. ولنأخذ مثالا من واقعنا.
هنا (مشكلة البطالة في جانبها الإيجابي تقع في خانة القطاع الخاص الذي يستفيد من هذا الانفلات التشريعي، فلا توجد شروط للحد الأدنى للأجور ونسبة السعودة تظل قرارات لا يطبقها إلا القلة ممن رحم ربي!! على سبيل المثال, وبالعكس نجد أن آثارها السلبية موغلة في مساحات شبابنا من الجنسين، ما سيؤدي إلى أن تتحول إلى معضلة إذا لم نتداركها منذ الآن).
من المواقف التي تفرض علينا النظر فيها بشيء من الموضوعية تجاه ميشيل أوباما أنها ذكرت في تعليقها على الخطاب الذي قدمته في المؤتمر الوطني الديمقراطي في بدء الحملة الانتخابية قولها إنها بعد الانتهاء من كلمتها وعودتها إلى موقعها بعيدا عن منصة الخطابة وكانت ابنتاها هناك فنادتها ابنتها ماليا بقولها: (أمي نحن أيضا نرغب في أن نستضيف بعض أصدقائنا) معلقة على ما جاء في خطاب والدتها الذي احتوى على عدد من النقاط عن التربية وجاء في السياق هذه النقطة. تقول ميشيل رغم كل التصفيق الذي علا في المكان وفلاشات الكاميرا الساطعة التي كانت تتوالى ولحظات السعادة العامة لم أستوعب سوى كلمة (أمي) نادتني بها ابنتي ماليا ذات السنوات العشر. تأكدت عندها أكثر أني (أم بالدرجة الأولى) وهذا هو دوري الأساسي.
كأني بميشيل هنا وفي هذه اللحظات الحاسمة في حياتها الأسرية مثل أي أم مسؤولة تلغى في هذا الموقف، جميع استراتيجيات الحركة النسوية الراديكالية الـ (فيمينيزم) التي تعمل جادة على التهوين من هذا الدور إذا تعذر عليها طمسه، بل لا ننسى قول عالمة الاجتماع أوكلي (إن الأمومة خرافة)!!
أيضا في حديثها عن زياراتها هي وأوباما عديداً من العائلات الأمريكية أثناء تلك الحملة واطلاعهما عن قرب عن واقع هذه العائلات التي تجاهد في ظل هذا الوضع المالي في أن تؤمن التربية المثالية لأبنائهم، وهم بالكاد يسددون فواتير مشترياتهم الغذائية وإذا كان عليهن البحث عن وظائف مساندة، فإن هذا يعني أن لن يكون لديهن الوقت للعناية بالأبناء، وكما ذكرت أن هناك 22 مليون امرأة عاملة أمريكية لا يتمتعن بإجازات مرضية، وهناك ملايين منهن أيضا لا يحصلن على أجور متساوية مع الرجال مع أنهن يعملن العمل نفسه!! - استعدت أنا هنا إلحاح الرئيس جورج بوش على المملكة أن تحقق المساواة بين الرجال والنساء في الأجر!! - كانت ميشيل مهتمة جدا بوضع أسر الجنود رجالا ونساء الذين يحاربون في العراق وأفغانستان، لأنها من زياراتها الميدانية وجدت أنهم يقومون بالدور المزدوج (الأم والأب معا) وتطالب بأهمية أن تتوافر لهم العناية الكاملة، ولا بد أن تنقل هي إلى البيت الأبيض كيف يعيش هؤلاء؟؟
هنا أعود بكم إلى تحليلي الفرق بين إدراك المشكلات الاجتماعية والوعي بها فميشيل عايشت الوضع الأسري الذي كانت تعيشه العائلات في الطرف الجنوبي لنيويورك وهو من المناطق الفقيرة فيها والتي لديها مشكلات أسرية واجتماعية متعددة. وهذا لا يعني أن عائلات الجنود فقراء ولكن غياب أحد الوالدين هو المأساة، فهي بالتالي على وعي عميق بما تتحدث عنه بل ذكرت كيف كانت طفولة أوباما ودور والدته في تربيته فرغم انخراطها في العمل، إلا أنها كانت تجد الوقت للقراءة له مثل معظم الأمهات. وتشدد على أهمية تأمين (طفولة مستقرة) لجميع أطفال أمريكا.
الحديث عن هذه القادمة إلى البيت الأبيض لا لتغيير ديكور غرفه، بل التغيير في كيفية التعامل مع المتغيرات كي تعود للأسرة الأمريكية مكانتها، فعند زيارتها البيت الأبيض كان جل اهتمامها منصب على الغرفة التي ستكون لابنتيها وما المدرسة الأقرب والأفضل لهما، وتأمل ألا تتغير حياتهما بعد الانتقال للبيت الأبيض إلا للأفضل.. فهي (الأم أولا وأخيرا)!!