التسويق أترويج هو .. أم رسالة؟!! ( 2/2)

قد يتعجب المرء حينما يسمع بمصطلح (بناء شخصيات الشركات)، وفي حقيقة الأمر حينما نتعرف على المقصود ببناء شخصيات الشركات قد نتفهم حينئذ كيف تكون الشركة ذات كاريزما.
تصرف الشركات المبالغ الطائلة في بناء وتطوير هوياتِها التجارية والمفهوم الدارج لتلك الهويات هو الشعار (السمة التجارية) وكيفية تطبيقه، وقد يتجاهل أو يهمل الكثير أهمية المحافظة على تطبيقات تلك الهوية - ناهيك إلى أن الهوية في شكلها قد يخضع إلى أذواق شخصية - إلا أن الحُكم على تلك الهويات من خلال الرأي الشخصي يزول بطبيعة الخطاب والثبات المتجانس في تطبيقات تلك الهوية وكيفية إيصالها إلى الجمهور.
إن الهوية ، من وجهة نظري وفي الوضع المثالي وأقصد بذلك عند تأسيس أي منشأة، هي الخطوة الأولى لبناء شخصية الشركة، فحينما نعتبر أن الهوية هي ثوب الشركة فإن ثقافتها وبيئتها هما الروح والجسد اللذان يملآن ذلك الثوب فيجسدان مع الهوية شخصية ما. ولا عجب عند العودة إلى ماضينا الإسلامي وطرق انتشار الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، فإننا نجد أن الإسلام قد دخل أقاصي الأرض من خلال التجار العرب المسلمين. فقد تعاملوا بمن تعاملوا معهم في تلك البلدان من خلال ثقافتهم ومبادئهم القيمة، وبذلك سوقوا من خلال ذلك التعامل الراقي ومبادئهم المبنية على ثقافتهم الإسلامية - وبغض النظر عن تلك التجارات والمقايضات التي كانت تعقد معهم - فقد كان الدافع الأساسي في تلك الفترة للتعامل معهم هي مبادئهم التي لم يحيدوا عنها فقد سوقوا بتلك الشخصيات الدين الإسلامي حيث رغب أهل تلك البلدان بالدخول فيه لرقي التعامل وسمو المبادئ.
واليوم ينظر المختصون من خلال دراساتهم وتحليلاتهم التي يقيمونها في عالم التسويق عن السمات الرائجة أو حتى البيئات الجذابة للعمل فيها أو قياس ولاء العملاء والموظفين لبعض الشركات، فيا ترى... ألا تستطيع المنشأة أن تبني لها شخصية من خلال ثقافتها وبيئة العمل التي تخلقها لموظفيها وكذلك بيئاتها من خلال نقاط البيع أو واجهاتها الأمامية التي تتعامل من خلالها مع عملائها أو حتى مراكز الاتصال بها كالهاتف الموحد أو الموقع الإلكتروني، وأن تحاكي المستهدف بمبادئها وقيمها من خلال رسالاتها التسويقية.
إن بناء الشخصية لأي منشأة يستغرق الكثير من الجهد والوقت وتضافر مختلف الإدارات والقطاعات في تلك المنشأة، فبناء وتعزيز ثقافة منشأة على سبيل المثال لواء تحمله وتعززه الموارد البشرية فيها وإيصال الرسائل التسويقية وتوجيهها، هو هَمّ التسويق ويتقاطع العمل مع القطاعات المختلفة في المنشأة لخلق البيئة العملية والتجارية من خلال الجهود الموجهةِ في سبيل تكوين وخلق تلك الشخصية. ولنجاح تلك الجهود فإنه لا بد من مرجعية داعمة لهكذا توجه واستراتيجية - وغالباً ما يكون ذلك أعلى سلطة تنفيذية في المنشأة - وأُؤكد هنا بأنها استراتيجية، فثقافة الشركة تنعكس في حقيقة السلوكيات وتعامل الإدارات والقطاعات مع بعضها البعض إضافة إلى السياسات واللوائح التشغيلية لتلك المنظمة، وفي كثير من الأحيان فإن تلك الثقافة هي التي ترسم الخطوط العريضة لبيئة العمل الحسية والتي تنعكس في خلق بيئة حسية تعكس العمل كروح فريق واحد أو عزلة القطاعات بعضها عن بعض من خلال بيروقراطية واضحة. وجوهر ذلك كله هي المبادئ والقيم التي تؤمن وتتحلى بها الشركة كالمصداقية والشفافية والإخلاص والتعاون وما إلى ذلك من قيم تسهم في إنجاح بيئة منتجة، وحينما تربط هذه الثلاثة بعامل معنوي مشترك حينها تنعكس شخصية المنشأة في ذهن المتلقي وبذلك تتكون صورة ما عن تلك الشركة إيجابية كانت أو سلبية. ولا بد هنا أن نعود إلى صلب الموضوع وهو أن التسويق رسالة، وعندما لا نصدق مع جمهورنا (ومع أنفسنا أولا) في تلك الرسالة التي نستثمر في إيصالها فإنه حتما ستظهر الحقيقة وما مدى مصداقية ادعائنا فيمن نحن. وحينئذ تكون العواقب وخيمة والحلول باهظة الثمن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي