اكسر قلمك الأحمر فورا
تذكر إحدى الأساطير اليونانية القديمة أن الحقيقة جاءت إلى الناس عارية فهربوا منها، فذهبت وارتدت عليها بعض الثياب الملونة فأقبلوا عليها، فالناس لا يحبون الحقيقة عارية، ومهما طلب منك أحدهم أن تصارحه بعيوبه فهو يقصد حقيقة أن تسمعه مناقبه, وحتى إذا أخبرك صديقك بأنه صريح ويحب الصراحة فلا تصدقه وجرب أن تخبره بأن تصرفه البارحة في الاجتماع كان غير لائق وسترى كم سيثور أو يتهمك بالغيرة وقلة الفهم, وتظهر الصعوبة والحاجة إلى امتلاك فن اللباقة في النصيحة دون الاستعداء عندما تريد توجيه نقد بناء لا هدام للشخص الذي يحتاج إلى ذلك, فبعض الناس يزلزلون قلوب الآخرين في نقدهم ونصحهم, أما اللبقون منهم فيقدمون المحتوى نفسه ولكنهم ينزلون مشاعر السكينة والراحة على نفوس مستمعيهم, فكيف يمكنهم ذلك؟
يعود الأمر بداية إلى براعة اللغة, فهي الوسيلة التي نستخدمها لنكشف ما نريد, كما أنها الوسيلة نفسها التي نستعين بها لنخفي ما نريد, فهي مثل الملابس تخفي أفكارا ومشاعر وتبرز أخرى, وقد يكون ذلك السبب الحقيقي لاختراع الإنسان اللغة, أن يوضح ويبطن ما يشاء, ولهذا فقد اقترح بعض خبراء الاتصال نموذجا للنقد البناء يسمى feed back sandwich أو (ساندويتش) التغذية الراجعة, ويقصدون بذلك أنه عندما تود توجيه أي نقد لشخص فركز بداية على الثناء عليه في محاسنه ثم اذكر نقدك بحكمة وبتهذيب واحرص دوما على أن تنهي محادثتك بتأكيد رأيك الإيجابي في شخص محدثك, أي مثل (ساندويتش الهمبرجر) فهي تبدأ بقطعة الجبنة تليها لحمة (الهامبرجر) ثم ورقة الخس, والملحوظة النقدية هنا هي (الهمبرجر), فحبة الثوم إذا مضغتها وحدها صعبة جدا لكنك إذا دققتها وجعلتها ناعمة جدا ومزجتها في طبق السلطة فستضفي مذاقا جيدا, والنيات الطيبة لا تكفي وحدها, فلا أحد يطلع على نياتك الداخلية ولكنهم يسمعون كلماتك الخارجية, ولهذا ففي كل مرة تبادر بتوجيه نقد إلى من حولك تذكر معلم الفصل الذي كان يملأ دفترك بملحوظاته الصارخة وقلمه الأحمر: ما هذا؟ أين الواجب؟ الإجابة خاطئة, انتبه أكثر، واستحضر مشاعرك المستفزة بداخلك نحوه في ذلك الوقت مع أنه كان يقصد حقيقة دفعك إلى مستويات اجتهاد أعلى ودرجات أفضل, واسأل نفسك داخليا قبل أي نقد:
هل الوقت مناسب الآن؟ هل أنا الشخص الأنسب لتوجيه الملحوظة؟ ما حقيقة دوافعي هل تحركني المصلحة أم الحط من شأن الآخر؟ هل سيرفع الانتقاد من شخصي أم سيضعف موقفي؟ هل هدفي الإدانة أم التوجيه؟ هل أسلوبي مناسب؟ وإذا لم تسعفك إجابة مقنعة عن الأسئلة السابقة فقم بتأجيل النقد إلى وقت آخر.