الجانب الأضعف والأشد ليناً في الهند .. موجة جديدة من عدم التسامح
اجتاحت مختلف أنحاء الهند خلال الفترة الأخيرة موجة جديدة من عدم التسامح، حيث تمت مهاجمة العمال البسطاء المهاجرين من أفقر الولايات الهندية، بيهار وأتر برادش في مومباي، كما واجه المسيحيون موجة غاضبة من جانب الهندوس في ولايتي أوريسا، وكاراناتاكا، كما أن قبائل البوبو هاجمت البنجاليين في ولاية غرب البنجال. ووسط كل هذه الأحداث شهدت البلاد مزيدا من التعصب الإسلامي المرتبط بجماعة صغيرة، وغير معروفة، تدعى جماعة المجاهدين الهنود، حيث قامت بتفجير قنابل في عدد من المراكز المدنية، بما في ذلك مواقع في العاصمة الوطنية نيو دلهي.
كما أن ولاية جامو وكشمير التي تمزقها الاضطرابات شهدت في أوائل هذا العام، جولة جديدة من العنف، بعد المحاولة الفاشلة للحكومة المحلية لنقل مكان إقامة بعض الحجاج الهندوس المتعصبين.
أسهمت الهجمات التي تعرض لها المهاجرون من الشمال في إحداث حالة مجنونة وعنيفة من ردود الفعل في ولاية بيهار. وعاد الشباب الذين هربوا من ولاية ماهارا شترا إلى موطنهم وقاموا بعدة هجمات استهدفت المباني العامة ومحطات القطارات. ومن حسن الحظ أن إجراءات مصالحة، إضافة إلى عدد من الإصلاحات، عملت على إنهاء العنف الذي شهدته كشمير، على الرغم من أنها جاءت متأخرة.
ومن الطبيعي أن تترك عمليات التفجير في المراكز التجارية ومحال البيع، كثيراً من سكان المدن على الهامش. ويمكن القول إن تلك الجماعات العنيفة فشلت في جهودها لإعادة زرع بذور الخلافات بين الهندوس والمسلمين، وفشلت كذلك في إشعال صراع اجتماعي جديد.
فما تفسير هذه الموجة الجديدة من العنف الذي ضرب البلاد مرة أخرى؟ على الرغم مما يبدو من عجز حكومة الائتلاف التقدمي الموحد عن الرد بقوة ووضوح على هذا العنف الجديد الموجه ضد المجتمع، إلا أنه لا يمكن اعتبارها مسؤولة عن المساهمة في هذه الأحداث العنيفة، بل إن رئيس الوزراء، مانموهان سنج، أعرب علناً عن مخاوفه من هذا المد المتزايد لهذه الموجة العنيفة القائمة على العنصرية والكراهية. وإن حلول هذه المشكلات معقدة، حيث يمكن متابعتها في عدة مجالات.
إن ظهور جماعة المجاهدين الهنود يبدو أنه يعود إلى تحول شهدته اثنتان من القوى الاجتماعية. ويعود تمرد الأولى إلى أن بعض فئات المجتمع المتدينة لم تستفد من التقدم الاقتصادي السريع الذي عاشته البلاد خلال العقد الماضي. وكانت استفادة المجتمع الإسلامي هي الأقل بين جميع المجتمعات في الهند.
نتيجة لذلك، فإن مجموعات صغيرة من الشباب، وإن كانت متزايدة الأعداد من المسلمين واجهت تمييزاً ضدهم في التعليم، العمل، والحياة الاجتماعية، يشعرون بأنهم مضطهدون من جانب بقية مكونات المجتمع الهندي. وإضافة إلى كل هذه العوامل المحركة على الصعيد المحلي، فإنهم وقعوا كذلك فريسة للعنف الإسلامي القادم من جهات خارجية.
وتبين أن تفاعل كل هذه العوامل يؤدي إلى تسمم الأفكار، ودفع هؤلاء الشباب إلى اعتناق التعصب الديني العنيف. وستتطلب معالجة هذه الظاهرة العنيفة التي تجتاح شريحة صغيرة من المجتمع الإسلامي كثيرا من السياسات الاجتماعية المستنيرة، وطويلة الأجل، إضافة إلى إجراءات سريعة لتحسين حياة أولئك النفر من الناس في الأجل القريب.
أما تفسير الهجمات التي تعرض لها المسيحيون، فهو مباشر مقارنة بالهجمات على غيرهم، حيث إن الأنصار المتعصبين لحزب باهاراتيا جانتا الذين ينضمون إلى عضوية باجرانج دال، وهي منظمة هندوسية متعصبة، يريدون حشد القوى للفوز في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في العام المقبل. وهم يشددون على التمسك بمشكلة غير قائمة، ويقولون إن هناك محاولات لتحويل عدد من الهندوس إلى الديانة المسيحية.
ومن السخرية أنه رغم كل ما يقال حول هذه المشكلة، فإن الإحصائيات تقول إن المسيحيين حققوا نجاحات محدودة من حيث الوجود في ولاية أوريسا، حيث شهدت هذه الولاية أشد الهجمات عليهم، وعلى كنائسهم، مع أنهم لا يشكلون سوى 2.4 في المائة من مجموع سكان الولاية.
وفشلت الحكومة المركزية في نيودلهي في إقصاء حكومة هذه الولاية على الرغم من فشلها الذريع في معالجة هذه المشكلات. وكان تردد التحالف الحاكم في اللجوء إلى مواد دستورية تسمح بإقالة حكومة هذه الولاية، ناجماً في الغالب عن الخوف من ثورة معاكسة في وجه الانتخابات المقبلة. ونظراً لأن حكومات حزب المؤتمر السابقة فشلت في اللجوء إلى مثل هذه المواد الدستورية، فإن هذا التحالف الذي يسيطر عليه حزب المؤتمر لا يجد أن عليه الاستعجال في تفعيل مثل هذه المواد في الوقت الراهن.
أما العودة إلى التحركات العنيفة في مومباي، فلها أسبابها المتعددة، حيث إن راج ثاكيراي، ابن أخت بال ثاكيراي، رسام الكرتون السابق، وزعيم حزب شيف الشعبوي المعادي للمهاجرين، هو الذي ترأس حملة إثارة العنف ضد العمال الفقراء القادمين من ولايات شمال الهند. وسبق لخاله أن تعرض لكثير من العمال المهاجرين في جنوب الهند، كما أنه وجه مسلحيه لقتال المسلمين. ووجد ابن الأخ الآن أهدافاً أسهل لمهاجمتها في عدد من المدن الهندية التي تمتاز بالثراء.
إن حقيقة كون الهند استطاعت التعامل الناجح مع عدد من حالات العنف العرقي المشابهة في الماضي، يجب ألا تشكل سوى مصدر راحة قليل لدى المواطنين والحكومة، حيث إن أعمال العنف المتجددة من منطلقات عرقية أو دينية، بغض النظر عن تكاليفها الاقتصادية والاجتماعية، تعمل بشدة على النيل من الديمقراطية الهندية. غير أن التنوع الكبير في تركيبة السكان في الهند، يمكن أن يجعل هذا البلد أقرب إلى حالة من الديمقراطية غير الليبرالية، كما ذكر ذلك عالم السياسة والمعلق فريد زكريا. وهذه الديمقراطية قائمة على انتخابات حرة وعادلة، وسط مشاركة سياسية واسعة، ولكنها ترغب في كبت الحقوق المدنية لأغلبية سكانها.
خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: OPINIONASIA