Author

الطلب على النفط إلى أين؟

|
مختص في شؤون الطاقة

مرت أسواق النفط خلال العقد الأخير بكثير من الأحداث الجوهرية والتحديات غير الاستثنائية التي أدت بطبيعة الحال إلى اختلال منظومة العرض والطلب وبالتالي التقلب في أسعار النفط. اختلال منظومة العرض والطلب في أسواق النفط هي صفة دائمة لها وليس بأمر مستغرب عليها، بل في اعتقادي أن هذا سلوك أصيل لها منذ تداول أول برميل لها وحتى تداول آخر برميل، فالمعادلة النفطية ليست معادلة بسيطة، بل هي في الواقع معادلة معقدة جدا، يؤثر فيها كثير من العوامل الاقتصادية والفنية والسياسية والأمنية والاجتماعية والجيوسياسية وغيرها، وعليه أرى أن استشراف أسواقها وسلوكها وأسعارها من أكثر الدراسات الاستشرافية صعوبة، كون متغيراتها تغيرات ديناميكية ومتسارعة.

الظروف والأحداث غير المتوقعة والاستثنائية قد تفوق أحيانا قدرات بيوت الخبرة والمراكز المختصة باستشراف أسواق الطاقة، وعلى رأسها النفط، ليس لضعف كفاءة وقدرات هذه البيوت والمراكز، بل لكون الظروف استثنائية وغير متوقعة. وما جائحة كورونا - على سبيل المثال - التي شلت الاقتصاد العالمي، التي أدت إلى إغلاق كلي أو جزئي لجل دول العالم وأنشطته الاقتصادية، وحدوده البرية، والبحرية والجوية، إلا دليل على ذلك.

هذه الظروف ما زال الاقتصاد العالمي يعاني تبعاتها التي انعكست بلا شك على الطلب العالمي على النفط، إضافة إلى ما يواجهه العالم من تهديدات إرهابية حوثية على سلاسل الإمداد العالمية ومنها النفط، وأيضا الهجمات على المنشآت النفطية الروسية وغيرها من اضطرابات جيوسياسية.

وكالة الطاقة الدولية رفعت توقعاتها للطلب العالمي على النفط في 2024 بين نحو 110000 برميل يوميا إلى نحو 1.3 مليون برميل يوميا، لكن هل سيتحقق هذا التوقع إذا ما تم أخذ التحديات والأحداث الراهنة في الحسبان؟ مؤشر تعافي الصين اقتصاديا من أهم المؤشرات العالمية في اعتقادي نظرا لثقلها العالمي حيث شكلت 19 % من نمو الاقتصاد العالمي بحسب صندوق النقد الدولي.

الجدير بالتنويه أن العالم استبشر في مطلع العام الماضي عندما رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو اقتصاد الصين من 4.3 % على أساس النمو السنوي إلى 4.6 %، بل وارتفع على أرض الواقع إلى 5.2 %، فهل تعافي الصين كان كافيا؟ وهل مؤشر نمو الاقتصاد الصيني ما زال يحظى بذات الثقل كما في السابق؟ أعتقد أن هذه التساؤلات لا تكفيها عشرات المقالات لتفنيدها وسبر أغوارها، لكن في رأيي إن الأحداث التي يشهدها العالم حاليا حجمت ثقل الصين ونموها بعدما مرت بأسوأ نمو لها منذ سنوات طويلة خلال جائحة كورونا عند 3.8 % أو دونها بسبب سياسة "صفر كورونا" التي انتهجتها.

الأحداث الحالية ستلقي في اعتقادي بثقلها على نمو الطلب العالمي على النفط الذي قد يسفر عن خفض طوعي إضافي لتحالف أوبك بلس في حدود المليون برميل يوميا للمحافظة على الأسعار في مستويات مناسبة للمنتجين والمستهلكين، وقد تزيد كمية الخفض أو تنخفض بناء على التغيرات العالمية المتسارعة.

إنشرها