Author

ازدياد حالة التشرذم والتكاليف الاقتصادية «1 من 3»

|

* المستشارة الاقتصادية ومديرة إدارة البحوث - صندوق النقد

إذا ازدادت حالة التشرذم، فما التكلفة الاقتصادية؟ وكيف ستنتقل تلك التكاليف؟
بما أن التجارة هي القناة الرئيسة التي يمكن من خلالها أن يعيد التشرذم تشكيل الاقتصاد العالمي، فإن فرض قيود على التجارة من شأنه تقليص مكاسب الكفاءة المستمدة من التخصص، والحد من وفورات الحجم نتيجة صغر الأسواق، وانخفاض مستوى الضغوط التنافسية.
وقد يضيق الخناق على قدرة التجارة على حفز عملية إعادة التوزيع داخل قطاعات الصناعة وتحقيق مكاسب في الإنتاجية، كما أن تراجع التجارة قد يعني أيضا تراجع عملية نشر المعارف، التي تعد إحدى المنافع الرئيسة للتكامل، الذي يمكن أيضا خفض مستواه من خلال تشرذم الاستثمار المباشر عبر الحدود. من شأن تشرذم تدفقات رأس المال أن يحد من تراكمه، نتيجة انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر، والتأثير في تخصيص رأس المال، وأسعار الأصول، ونظام الدفع الدولي، وهو ما يفرض أخطارا على الاستقرار المالي الكلي، وربما يؤدي إلى زيادة تقلب الاقتصاد.
تتباين تقديرات التكاليف الاقتصادية الناجمة عن التشرذم تباينا كبيرا، وتتسم بدرجة عالية من عدم اليقين. بيد أن العمل الأخير الجاري حاليا في صندوق النقد الدولي يشير إلى أن هذه التكاليف قد تكون ضخمة وتثقل كاهل الدول النامية على نحو غير متناسب.
وإذا افترضنا تشرذم الاقتصاد العالمي إلى كتلتين ـ وفقا لتصويت الأمم المتحدة على قرار بشأن أوكرانيا 2022 ـ وتوقف التجارة بين الكتلتين، فستقدر الخسائر العالمية بنحو 2.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. لكن حسب قدرة الاقتصادات على التكيف، فقد تصل الخسائر إلى 7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وعلى المستوى القطري، ستكون الخسائر كبيرة خاصة بالنسبة إلى الاقتصادات ذات الدخل المنخفض واقتصادات الأسواق الصاعدة.
إن تشرذم الاستثمار الأجنبي المباشر في عالم منقسم إلى كتلتين تتمحوران حول الولايات المتحدة والصين، ومحافظة بعض الدول على عدم الانحياز، من الممكن أن يسفر عن خسائر عالمية على الأجل الطويل تبلغ نحو 2 في المائة، إجمالي الناتج المحلي وكما هي الحال في التجارة، فالخسائر أكبر بالنسبة إلى المناطق الأقل تقدما التي تعتمد بشكل أكبر على التدفقات الوافدة من الكتلة المعارضة.
غير أن كثيرا سيعتمد على كيفية تصدع التجارة والاستثمار. فإذا حافظت بعض الاقتصادات على عدم الانحياز، واستمرت في التعامل مع جميع الشركاء، فإنها قد تستفيد من تحويل مسار التجارة والاستثمار.
تشير عمليات المحاكاة التي أجريناها إلى أنه إذا تعطلت التجارة بين الكتلة الأمريكية الأوروبية من ناحية والكتلة الصينية ـ الروسية من الناحية الأخرى، عندئذ ستشهد بقية الاقتصادات بعض المكاسب في المتوسط.
وتتمتع دول أمريكا اللاتينية بوضع جيد يتيح لها إمكانية الاستفادة من هذا السيناريو. فعلى سبيل المثال، قد يدعم قرب المكسيك من الولايات المتحدة قطاع الصناعة التحويلية لديها، بينما يمكن لمصدري السلع الأولية في أمريكا الجنوبية اكتساب حصص من السوق. غير أنه إذا تفاقمت حالة التشرذم، فقد يحصل حتى أولئك المستفيدون من التشرذم بأشكاله المعتدلة على نصيب كبير من كعكة أصغر في السيناريو الأسوأ.
خلاصة القول، إن الجميع قد يخسر.. يتبع.

إنشرها