Author

وكالة الطاقة وشح الطاقة!

|
مختص في شؤون الطاقة

أعتقد أن وكالة الطاقة الدولية تحتاج إلى غربلة كوادرها المختصة في استشراف مستقبل الطاقة، وتحتاج أيضا إلى إعادة النظر في المجموعة المسؤولة عن ملف الوقود الأحفوري وعلى رأسه النفط. تقويض صناعة النفط والغاز والاستثمار فيها، وعلى وجه الخصوص، صناعة المنبع، أصبح شغل وكالة الطاقة الدولية وبعض بيوت الخبرة ومراكز الدراسات المستقبلية التي تلف لفها وتحذو حذوها. العالم ينمو نموا متسارعا على جميع الأصعدة، وهذا النمو يجب أن يتزامن معه نمو مماثل في وفرة الطاقة وسلامة شرايينها وإمداداتها، فلا نهضة بلا طاقة، ولا مدنية بمعزل عنها، وبكل تأكيد لا صناعة بمنأى عنها. خلال العقد الأخير نشطت وكالة الطاقة الدولية وحلفاؤها وسخرت مواردها لتحقيق هذا الهدف، وأعني هنا تقويض صناعة المنبع والاستثمار فيها. الطاقة ومنتجاتها المختلفة ليست سلعا أو منتجات ثانوية، بل هي -في اعتقادي- منتجات أساسية وحيوية، بل وجودية على خريطة التقدم والمدنية، والخطر الحقيقي المحدق بهذا القطاع -في رأيي- هو تبني بعض الدول وصناع القرار وبيوت الخبرة أفكارا غير صحيحة، بل مضللة حول الوقود الأحفوري وعلى رأسه النفط.
هذه الأفكار قد تؤدي إلى اتخاذ بعض الدول والمنظمات قرارات استراتيجية غير صحيحة ستضر هذا القطاع على المديين المتوسط والبعيد، مدفوعة، وأعني هنا القرارات الاستراتيجية بأجندات سياسية واقتصادية ضيقة الأفق. تقويض الاستثمار في أنشطة الاستكشاف والتنقيب والحفر وتطوير الحقول القائمة واستقطاب وتطوير التقنيات التي تخدم حقول النفط والغاز، ستكون له تبعات سلبية على أسواق الطاقة العالمية على المدى المتوسط في رأيي، بل تبعات كوارثية على المستهلكين على وجه الخصوص. الجدير بالتنويه، أن ضخ الاستثمارات في صناعة المنبع تعني مزيدا من الإنتاج ونموه، ليوازي النمو السكاني المتسارع، إضافة إلى النمو الاقتصادي والصناعي والخدمي العالمي عموما والنمو الاقتصادي للدول الناشئة. اقتصاد العالم على المدى المنظور سيكون مختلفا كثيرا عن الاقتصاد العالمي الحالي، فبحلول 2075 سنجد -بحسب بعض الدراسات الاستشرافية- أن اقتصاد كل من الصين والهند بالتوالي سيتربعان على عرش صدارة أكبر اقتصادات العالم في 2075، حيث يتجاوز اقتصاداهما اقتصاد الولايات المتحدة التي تتوقع "جولدمان ساكس" أنها ستحتل المرتبة الثالثة بحلول العام ذاته، وفق معيار الناتج المحلي الإجمالي، اللافت أن قائمة أكبر 20 اقتصادا في العالم من حيث الإجمالي المحلي، ستخلو من دول أوروبا وروسيا! حيث إن ترتيب أكبر اقتصادات العالم سيضم بالترتيب بعد الصين والهند وأمريكا، كما تم ذكره سابقا، إندونيسيا ونيجيريا وباكستان ومصر والبرازيل والمكسيك وتركيا وبنجلادش وإيران وفيتنام والسعودية. يليها في الترتيب كل من تايلاند والفلبين وجنوب إفريقيا والكونغو وإثيوبيا، وأخيرا في المرتبة الـ20 دولة كينيا. المفترض أن يكون لوكالة الطاقة الدولية حضور فاعل يصب في مصلحة أمن الطاقة العالمي حاضرا ومستقبلا، وأن تكون لبنة بناء لمستقبل مستقر في قطاع الطاقة، لا معول هدم يتبنى سياسات غير موضوعية ولا عملية تهدد مستقبل أمن الطاقة العالمي. ذكرت سابقا، أن الشعارات الرنانة لن تمد العالم بالطاقة، وأن القرارات التي تتخذ الآن فيما يخص الطاقة سنشاهد أثرها على المديين المتوسط والبعيد، بل المنظور، فإلى أين ستأخذ وكالة الطاقة أتباعها؟ وهل ستصبح عراب شح الطاقة العالمي؟

إنشرها