default Author

استعادة الجانب الأخلاقي للاقتصاد «3 من 3»

|

يتوقع من الوحدات الاقتصادية احترام القوانين وحقوق الملكية بدلا من المعايير الأخلاقية، والاسترشاد بالمحفزات المالية وليس بالفضيلة. وهنا نصل إلى نقطة يحتجب عندها مجال الرؤية الأخلاقية. وهذه العقلية تحديدا هي التي تدفع نحو حالة جسيمة من عدم المساواة، وعدم الاستقرار المالي، والأزمة البيئية. وكما يشير سن، يمكن أن يكون الاقتصاد انعكاسا لمفهوم كفاءة باريتو؛ أي أن تحقق عمليات التبادل التجاري داخل الأسواق أقصى درجات الرضا لجميع التفضيلات، بينما تظل "منفرة للغاية".
وإذا تعمقنا في هذا الصدد، نجد شواهد على أن تلقين قيم الإنسان الاقتصادي المجردة يدفع الناس إلى قمع مشاعر التعاطف والتضامن، وإعلاء الأنانية والانتهازية.
وكما يشير صامويل بولز الاقتصادي الأمريكي إلى أن الاعتماد المفرط على الحوافز المالية يمكن أن يقوض وجهة نظر نحن في حاجة إلى الالتزام بالمصلحة العامة؛ بوصفها قيدا أخلاقيا على الاقتصاد السوقي.
مفهوم الفضيلة؛ رغم أن ثمة إدراكا متزايدا أن الأسواق والمؤسسات الكبرى لن يمكنها العمل بكفاءة دون درجة من درجات الالتزام بالفضائل كالعدالة والصدق والثقة. ومن غير المعقول القول إن أي قيم بخلاف الكفاءة تعد خارج نطاق الاقتصاد، ولكن الإنسان الاقتصادي لا يدرك أهمية ذلك، وهو في رأي سن "كائن اجتماعي أحمق".
ونحن في حاجة إلى الالتزام بالمصلحة العامة بوصفها قيدا أخلاقيا على الاقتصاد السوقي، وهو ما يعني السماح للجميع بإطلاق قدراتهم، مع ضمان توجيه هذه القدرات نحو أهداف مشتركة متفق عليها، ولا سيما في إطار أهداف التنمية المستدامة. ونظرا لخطورة الأزمة البيئية، من المهم للغاية التحول إلى نظام طاقة خالٍ من الكربون خلال العقود الثلاثة التالية.
يأخذنا ذلك إلى سؤال آخر: ما حدود مفهوم المصلحة العامة؟ تفترض إحدى الإجابات تحمل مسؤولية تحقيق المصلحة المشتركة تجاه البشر جميعا. وهذا البعد العالمي من الأبعاد الراسخة في الفلسفة الأخلاقية الحديثة، كما يمثل أحد الأسس التي يستند إليها مفهوم الفيلسوف إيمانويل كانت حول الالتزام المطلق النابع عن الشعور بالواجب، الذي لا يقر إلا بقواعد السلوك التي يمكن تعميمها عالميا، وهو أيضا من الأسس التي يقوم عليها مبدأ النفعية، الذي يدعو إلى تحقيق أقصى قدر من السعادة لأكبر عدد ممكن. ويظهر هذا البعد العالمي بوضوح في آراء الفيلسوف بيتر سينجر من جامعة برينستون، الذي يرى أننا ملزمون بمساعدة المحتاجين في أي مكان في العالم ما دام ذلك في مقدورنا. ويتسع نطاق المسؤولية العالمية بالطبع عند تحمل جزء من اللوم عن الأزمات "كما في حالة البلدان الغنية وتغير المناخ".
ولكن أرسطو واليونانيين عموما تبنوا نموذجا أخلاقيا تمييزيا؛ حيث عدوا أن المصلحة العامة تقتصر على الدولة، واستبعدوا النساء والخدم من المعادلة، ويرتبط ذلك في جزء منه بميل كل مجموعة إلى التفضيلات الخاصة بها.
ولكن علينا أن نعترف أيضا بأننا كائنات اجتماعية مرتبطة ارتباطا عميقا بالمجتمع بوصفه أساس الصداقة والهوية والمقصد والأهداف، وهذا جزء أساس من فهمنا للحرب على العولمة.
ولكن كيف يمكننا الموازنة بشكل أفضل بين هذه الآراء الأخلاقية المتعارضة؟ لا توجد إجابة سهلة، وتتوقف هذه المسألة على عوامل ثقافية واقتصادية، ولكن أهداف التنمية المستدامة تمثل طريقا وسط هذه المتاهة، خريطة طريق لاتخاذ إجراءات عالمية عملية ومنخفضة التكلفة من جهة، ومتوافقة مع أهم الأعراف الأخلاقية العلمانية والدينية من جهة أخرى. وفي هذا السياق ترسي الأهداف محاور المصلحة العامة، وتحدد المتطلبات الأساسية لتحقيق الرفاهية الإنسانية في كل بلد، إلى جانب المسؤوليات المحددة للبلدان الأكثر ثراء نحو البلدان الأكثر فقرا. وسيساعد تنفيذ هذه الأهداف على إصلاح بعض الأخطاء التي تهدد العولمة والتعاون متعدد الأطراف.
وعلينا أن نستعيد الجانب الأخلاقي للفكر الاقتصادي، ونركز عملية صنع السياسات مجددا على مفهوم المصلحة العامة، ونعاود تدريس الأخلاقيات كجزء من برامج الاقتصاد وإدارة الأعمال؛ فقد نشأ علم الاقتصاد كفرع جانبي للفلسفة الأخلاقية، ويجب أن يعود إلى جذوره.

إنشرها